مصطلح كثيراً ما نسمع عنه ، وكثيرة هي الإدارات التي تناولته ، وقلة هي المجتمعات التي حاربته.
وهذا المصطلح نخاف كثيراً عندما نسمعه ، حتى وأنا اكتب هذا الموضوع قالت لي نفسي ( مالك ومال هذه الشغلة ) لكني رفعت صوتي عليها وقلت إنه من صميم عملي الإداري وتخصصي الاكاديمي ، وهو من الأمور الإدارية المهمة في نهوض المنشآت أو المجتمعات أو فشلها وخرابها ، وقبل الدخول في عمق معنى وتفسير الفساد سألت نفسي والقارئ يسألني : هل هناك فرق بين إدارة الفساد ، والإدارة بالفساد ، وفساد الإدارة ، وهل يمكن أن يوجد سقف للفساد ، أو ما هو سقف الفساد ؟
و قبل تقديم الإجابة لكم ، وجدت أنه من المهم أن أتناول ماذا يعنى الرضا السلبى ، والعجز المكتسب ؟ ، الذى هما من أهم نتائج شيوع الفساد سواء على مستوى المنشأة أو حتى على مستوى المجتمع ، وكيف أنهما من أهم العقبات أمام استخدام وبناء الأفراد لقدراتهم ؟
• الرضا السلبى هو القبول عن عجز ، مصحوباً بالإحساس بالتهميش والعزلة ، والشعور بالإحباط ، وعدم الرغبة في المشاركة ، والعزوف عن الدفاع عن مصالح المنشأة أو المجتمع ... وبالطبع يكون ذلك انعكاساً مباشراً لإحساس الفرد بوجود الفساد وأثاره مع عجز الأفراد عن مواجهته والتصدى له .
• أما العجز المكتسب ، فهو الإحجام المتعمد عن الفعل نتيجة عدم الشعور المسبق لدى الأفراد بعدم القدرة على التحكم في النتائج التي ستترتب على هذا الفعل ، فالفرد لا يقدم على أى فعل إلا إذا كان شاعراً بأنه قادراً على التحكم فى نتائج ما سيفعله .
والسؤال الذي يطرح نفسه من أين يتم اكتساب هذا العجز ؟ يتم اكتسابه من البيئة المحيطة بالفرد ، والتي عندما تتسم بالفساد ، ويشعر الفرد أنه مهما كان جاداً فيما يفعل فإنه لن يحقق نتائج مساوية لما يبذل من جهد نتيجة انتشار ظواهر الفساد ، وبالتالي فإنه يحجم عن الفعل ، أو يكون فعله غير جاد إذا ما كان مضطراً لهذا الفعل ، ومن ثم تنخفض الإنتاجية .
اذن ماهو تعريف الفساد ؟
الفساد في معاجم اللغة هو في (فسد) ضد صَلُحَ (والفساد) لغة البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل،
( عرف معجم أوكسفورد الإنكليزي الفساد بانه "انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة". وقد يعنى الفساد : التلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما وهو لفظ شامل لكافة النواحي السلبية في الحياة.
و يصبح الفساد بمفهومه العام هو التغير من الحالة المثالية إلى حالة دون الحالة المثالية. و الكمال لله عز وجل. بمعنى التغير للأسوأ. و يكون هنا ضد الإحسان وضد التحول أو التغير إلى الحالة المثالية( .ويكبيديا.
أما في معناه السياسي والإداري فهو استغلال السلطة في تحقيق وزيادة الثروة وتوسيع دائرة النفوذ دون وجه حق وعلى حساب الآخرين .. وبالتالي يكون فساد الإدارة أيا كان مستواها ، هو استغلال السلطات والصلاحيات التي تمتلكها الإدارة فى تحقيق مصالحها الخاصة والشخصية ، والتي تتمثل فى تحقيق الثروة ، وإحكام السيطرة على الآخرين التابعين ، وتوسيع النفوذ ، وإبرام التحالفات السرية والعلنية لتقسيم النفوذ والثروة على حساب الآخرين في المنشأة أو المجتمع .
أما عن سقف الفساد ، فهو امران :
أولهما : الحدود القصوى التي يمكن أن يصل إليها الفساد في المنشأة أو المجتمع ، فهناك حد لا يمكن للفساد أن يتجاوزه على الإطلاق ، وهو الحد الذى يؤدى إلى هدم الافتراضات الأساسية التي قامت عليها المنشأة أو النظام ، أو يؤدى إلى تهديد مباشر وحاسم لشرعية وجود المنشأة .
أما الثاني: وهو ما يتعلق بقرار الاستثمار لدى المستثمر سواء كان مستثمراً داخلياً أو خارجياً ، حيث يتوقف هذا القرار على أربعة محددات هى :
1- سقف الفساد
2- الإنتاجية المتوقعة للعمالة ، وتكلفتها .
3- الاستقرار السياسي والأمن الداخلي.
4- التسهيلات الممنوحة ، وقد يدخل فى هذا الجانب مدى التعقيدات الإدارية
والمقصود هنا بالاعتبار أو المحدد الأول والخاص بسقف الفساد ، أن المستثمر يضع حداً معيناً أو نسبة مئوية من إجمالي المال الذى يوجهه للاستثمار يمكن أن يدفعها على سبيل الرشاوى أو المجاملات أو دفع تنفيذ المشروع أو الحصول على مزايا أكثر ، حيث تكون مبالغ هذه النسبة أو هذا الحد موجهه إلى الأشكال المختلفة للفساد ، ويمكن أن يقدمها المستثمر ، ويكون فى نفس الوقت على غير استعداد بأى حال من الأحوال تجاوز هذه النسبة ، فإذا ما كانت هذه النسبة مثلاً 5% من إجمالى المال المستثمر كانت هذه النسبة أو إجمالى المبالغ المعبرة عنها تمثل سقف الفساد بالنسبة للمستثمر .
ومن الطبيعي أن يكون من أكبر عوامل التشجيع على الاستثمار هو انخفاض سقف الفساد أو انعدامه .
وجدير بالذكر أن المحددات الثلاث الأخرى لقرار الاستثمار ترتبط بشكل أو بآخر بالفساد ، فانخفاض إنتاجية العمالة غالباً ما يكون سببها الرضا السلبى والعجز المكتسب ، حيث غالباً ما يتسبب الفساد فى حدوثهما . وأيضاً غالباً ما يؤثر انتشار الفساد على الاستقرار السياسي والاجتماعي ، وكذلك غالباً ما يؤثر على زيادة التعقيدات الإدارية .
أما إدارة الفساد ، فهي تعنى الاعتراف والاتفاق غير المعلن ، وربما الضمني من قبل الإدارة عند فسادها ( كما سبق الإشارة إليه ) بأن لكل حدود معينة من استغلال السلطة لتحقيق مكاسب ( ثروة أو نفوذ ) لا يجوز له أن يتخطاها ، وهذه الحدود تكون وفقاً لمستواه الإداري أو الوظيفي أو السياسي ، وغالباً ما يكون هناك احترام شديد لهذه الحدود من قبل المستويات الإدارية ، فحتى عندما يكون المطلوب يتجاوز حدود سلطات الشخص ، فإنه يحيله أو يوحى إليه بالتوجه إلى المستوى الأعلى القادر على إنجاز ما يطلب .. حيث غالباً ما يكون المطلوب هو الخروج عن القوانين واللوائح ، أو الحصول على استثناء ، أو تحقيق مكاسب غير مشروعة يتم اقتسامها .
ومن ثم ، فإن مضمون إدارة الفساد هو تخطيط الفساد ، أى توزيع آليات وطرق وأساليب وأدوات الفساد على المستويات الإدارية وفقاً لضوابط محددة غير معلنة ، مع الأخذ فى الاعتبار حدوث توازن شديد بين استمرارية تحقيق المكاسب الشخصية للإدارة دون وجه حق فى مختلف مستوياتها ، كما سبق الإشارة ، وبين استمرارية بقاء المنشأة ( حيث غالباً ما يكون هذا البقاء ضعيفاً ) فالمهم ألا تموت المنشأة ، أو ينهار النظام .
أما فيما يتعلق بالإدارة بالفساد فهو أسلوب تتبعه الإدارة العليا ، أو رأس المنشأة ، فى السيطرة على الأفراد والكوادر الإدارية فى مختلف مستوياتها ، بأن يترك الحبل لهم في ارتكاب أخطاء ، وفى استغلال السلطة لتحقيق الثروة ، بل وأحياناً يشجعهم على ذلك بطريقة غير مباشرة ، وهي التوجيه والسيطرة بالتهديد بكشف المستور الذى ساعدت الإدارة العليا أصلاً فى حدوثه بالصمت والتجاهل وربما بالتشجيع .
اذن هنا عرفنا الفساد وإدارة الفساد وسقف الفساد والإدارة بالفساد ، ودهاليز تلك المصطلحات المعتمة والمظلمة والظالمة التي تؤثر على انتاجيات الإدارة والمنشاة والمجتمع وتفرض قوى المصالح و الشيللية وتهوى بالمجتمعات في غياهب الفقر والتخلف
لنقف معاً ضد هذه المصطلحات والممارسات ولنكن ( كلنا مسئول )
تحياتي
د. عثمان عطا
Oatta17@gmail.com