(نور على نور )
هناك أشخاص في عالمنا وحياتنا نشعر بهم كالنور يضيئون لنا الظلمة من حولنا حتى نرى الأشياء على حقيقتها .
هؤلاء الأشخاص هم غالباً طوق النجاة الذي يرسله القدر إلينا ، لذلك البعض يرى هؤلاء الأشخاص نعمة ربانية ، والبعض الآخر لا يرى في هؤلاء إلا نور من الله تعالى ، والبعض الآخر قد ينكر ولا يصدّق لأنه لا يتوافق مع هوى نفسه وليس لديه تفسير منطقي .
وذلك النور ينقسم إلى قسمين الأول منظور والثاني محسوس يشعر به من كان في فلك ذيَّاك النور فقد يكون النور على شكل تصرفات في فعل الخير وإغاثة الآخرين
ولكي لا يخرج إلينا من ينكر ذلك فإننا لا نتكلم إلا بدليل قطعي من القرآن الكريم حتى نقطع لسان أيَّ معترض ، وقد قال الله تعالى في سورة النور ما يؤكد ما هداني الله إليه من نعمه ، فقد بدأ الله تعالى سورة النور بأنها منزلة ومفروضة ، وهذا يعني بأن جميع ما جاء في هذه السورة المباركة هي فرض إيماني يجب العمل به والتسليم له ، ثمَّ ننتقل إلى الآية العظيمة وهي آية النور وسرِّ النور فقال : ( الله نور السموات والأرض ....) ومعنى هذا أنَّ الله تعالى يُعَرِّفنا مصدر النور ولم يقل ربكم نور السموات والأرض بل قال : ( الله نور ... ) وهذا يعني بأنَّ أيَّ نور موجود في الكون مصدره الذات الإلهية وأيضاً لا يوجد نور آخر في الكون سوى نور الحق جلَّ جلاله ، وكذلك هذا هو التعريف العام للنور وهذا الجزء من هذه الآية قد نراه كافياً لأخذ العلم بمصدر النور ، ولكنَّ الحق هو أعلم بما يجول في فكر واعتقاد خلقه ، فأراد بحكمته شرح هذا الكلام لجميع مستويات الفهم ، وكما نعلم بأنَّ الفهم يتفاوت بين الناس فمنهم من يفهم من الخطاب العام الكلي ومنهم من لا يفهم إلا بشرح جزئي ومنهم من لا يفهم إلا بشرح تفصيلي ومنهم من لا يفهم إلا إذا عَرضتَ له مثالاً مما يستخدمه في حياته اليومية وهذه الآية فيها شرح لجميع فئات أهل الفهم فشرح ابتداءً بقوله : ( مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ..) وهذا المثل هو تقريب فقط لماهيّة النور للفهم الإنساني وكيف ينتقل ، فمَّثل نور ذاته بالمشكاة والمشكاة هي فجوة في جدار الغرف كان يتم حفرها لتكون مكان مصباح الإضاءة لكي تعكس نور المصباح في أرجاء الغرفة ، واستخدم الحقّ حرف الكاف للتشبيه فقط :( كمشكاة .. ) وليست المشكاة هي مصدر النور بل الذات الإلهية كما أسلفنا وقد يكتفي الحقّ بهذا الشرح ولكن يعلم بأنَّ هناك من هم أقلُّ فهماً وزاد في الشرح فقال : ( المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دُريِّ ...) من منّا لا يعرف فوانيس رمضان والكبار منا عاصروها قبل دخول الكهرباء فقد كانت الفوانيس المصدر الوحيد للإضاءة الليلية قديما فمن يعرف الفوانيس يعلم بأنَّ لها زجاج لينشر الضوء الصادر من شعلة الفانوس في أرجاء المكان ولو أزلنا هذه الزجاجة لأصبح الفانوس مثل الشمعة لا تُضىء إلا نفسها وقول الحق المصباح هو مجمل الشعلة التي تصدر النور ، والفانوس له وقود وهو زيت السيرج أو زيت الزيتون أو أي زيت يتوفر ، فانتقل الحق جلَّ وعلا لشرح أكثر تبسيطاً فقال : ( يكاد زيته يضئ ولو لم تمسسه نار ...) وهذا تشبيه لتقريب الفهم إياكم أن تفهموا أنَّ نور الحقّ جلَّ وعلا يحتاج إلى وقود وزيت لكي ينير إياكم فنور الله ذاتي وهو سرّ من أسرار النور الإلهي وشتّان ما بين نور الله ونور النار أي أنَّ مادة النور الإلهي لا تحتاج إلى نار لكي تظهر .
ثمَّ ختم الآية بمثل ما ابتدأ بها وقال : ( نور على نور ...) وهي عين قوله : ( الله نور السموات والأرض ..) كما جاء بالحديث الشريف عندما سؤل الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ليلة المعراج : هل رأيت ربك ؟ فقال الرسول : " نور أنَّا أراه " .
ثم قال الحق : ( يهدي الله لنوره من يشاء ...) وهنا وقفة وقد فهم البعض بأنَّ المشيئة هنا لله والحقيقة المشيئة هي لمن أراد النور الإلهي أي لمن شاء من عباده فمن شاء أن يهتدي لنور الله يهديه ويسوقه الله إليه وكلنا نعلم درجات القرب من الله تعالى وهي متروكة على همّة العبد في التقرب والآيات في شرح ذلك عديدة ، ثمَّ قال الله تعالى : ( ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ) سبحانه العليم الخبير الذي علّم عباده ووضع لهم القرآن العظيم وأنزل فيه تبيان كلِّ شيء، فمن توجَّه إلى ذيَّاك النور فقد فاز ولاذ في المقام الأكرم واستحق الدرجات العُلى كما قال الحق : ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) وللحديث بقية في سورة النور التي فرضها الله تعالى فرضاً .
بقلم 🖋️ البتول جمال التركي