سألتني ذائقتي عن سر تمكن وبقاء واستمرار وجودة ما يقدمه الفنان المبدع، فنان كل العرب محمد عبده من فنون طربية وتراثية وحديثة، كان فيها الأول طوال ثلاثة أجيال خليجية، أصغت فيها إليه وترنمت وطربت وعشقت وتعلمت من عمق فصول نفائس موسوعته الفنية، المدهشة.
فقلت لها: اسمحي لي يا الغرام، مهما كنت مذهلة، فتلك عبقرية فن أصيل نادرة الوجود، كونه يمتلك الخامة الصوتية الرخيمة المستقرة، المدهشة، واللحنية الموسوعية الأنيقة العجيبة، وهو من يحترم فنه وجمهوره، الثابت القادرة على التلون، والتطريب، وتجريب كل الفنون الطربية، وهو تكريس المشاعر وتأصيلها وسط مدارس الهشاشة والترديد والرخص، وادعاء الجودة.
سندباد حالم بالكنوز، ابتدأ رحلته الأسطورية مع طائر سعد فوق أمواج وشطوط وكثبان ووهاد وجبال وأودية من التراث العربي المشرقي، وكان حسه مميزا في البحث والتنقيب عن الدرر في كل الأماكن معززا بحروف العز، فلم تغفل عيناه شبرا من فنون الجزيرة العربية، إلا وكان يستدعيها ويلاعبها، ويطويها برنة عوده، وترنيمات ذاته، وتمكنه، وانتقائه الكلمات المبدعة من جميع الألوان الغنائية، لتشعر كل قرية سعودية، ودولة خليجية بأنه منها.
وبجهوده المضنية لم يلبث أن طوع قوالبها القديمة شبه المنسية بالتنوع، والتجدد والتوزيع الموسيقي، وخدمها كثيرا بصوته الرخيم حتى واكب حس صوته الفجر البعيد، بمعرفة بدقائق المقامات، وعزف يخجل الضي، لتحتوي موسوعته الفنية، شتى أنواع التراث البكر حينها من سامري، ومجس، صوت حجازي، موال، صوت خليجي، وبحري، وصنعاني، وعدني، وعسيري، والخطوة، والجنوبي، والعرضة، والرايح من بيشة، والينبعاوي، والدوسري، والمجرور، والدانة، والشرقين، والردمان، والزير، والخبيتي، والشمالي، بشكل شمولي متقن جعله السباق والأقدر في إبراز وتسجيل وخدمة أغلب تلك الأنواع، والتجويد في أدائها، ليكون الأول والأكثر إقناعا وعطاء، فما أن يذكر أي نوع من تراث تلك المناطق، إلا ووجدناه يبهر وهو يكنز لها في موسوعته الكثير من الطرب الأصيل، ويزين بجمالياتها ذكريات سمر الأماكن، والمعازيم، ويؤثر في المقدر، ويرفض المسافة، بين مشاعره وما ينقشه في ذاكرة الأمس واليوم.
محمد عبده هرم جودة وتجدد أنيق لأكثر من خمسة عقود ظل فيها يغني، ويبدع، فلم نلحظ منه نشازا، وكان ملكا للمسرح المباشر، يتمثل أدائه فوق خشباته، وبأفضل مما يصوغه الغير معلبا في تلفيق الأستوديوهات المغلقة.
محمد عبده مخزن الجزيرة العربية الفني كان صوتا شفافا وطنيا من بادي الوقت، وفوق هام السحب، وخبرينا ياروابي نجد، وكان الرقم الصعب في أوبريتات الجنادرية، وغيرها، ولم تمر السعودية والعروبة بحدث صغير أو كبير، إلا وكان حسها الحنون الجهوري الماجد، الذي يصور ويوطن ويحمس، وينبض بحس النصر والعبور، ونعم نحن الحجاز، ويتبتل في أنشودة المطر، والعذبة كالطفولة في شرايين الشعوب العربية المحبة للثرى، والكيان العربي مهما كانوا أبعاد، ولكنه يقربهم ويجمعهم.
وكم كان على البال طائر السعد رسولا للفنون، وسفيرا للجمال بلا برواز ولا وهم، يودع اليأس، حول ريم الحجر، ويرد الرسائل مع نسيم الصباح لظبي الجنوب، في ملحمة لأعذب الحب لا تنتهي فصولها بمرور ولعتني، ولنا الله، ظبي الجنوب، وسودة عسير، وأواه وليالي الخميس، ويا حبيبي أنستنا، وكنا سوى، وأبعتذر.
نجم ساري، يغنم زمانه، وهو حبيب مقنع مشبع لملايين عشاق فنون الجزيرة وأبعاد وهج الدول العربية، حتى ليشعر كل عاشق منهم بأنه سمير نجواه، وبوحه، وابن وطنه.
ألحان كان هذا الأسمر مشتاق لها، وهي تحضر خفية بين المعازيم، ولو في أخر زيارة، وماكو فكة، ليعلن عليها الحب، بما فيه داعي، ويقول لها نسيتيني، وأشوفك كل يوم، ولا يودع اليأس.
إبداعات يمانية، عدنية أحب صنعاء، يا مستجيب الداعي، ضناني الشوق، وريم، ولنا الله، والعديد من الفرائد.
موسوعة فن تبهر ومجموعة إنسان أطربت أبو شعر ثاير، ومركب الهند وغازلت البراقع سيعجز كل من يأتي بعده بمحاولة الإتيان بكم وكيف الجديد المؤصل، فما أن يرن العود، وتقرع الإيقاعات، وما أن تشتد عقيرة من يترنم، إلا ويظهر له طيف محمد عبده، يبعث الحب الدفين، ويهيل أضواء التطريب، في صبيا، ويصحح المسار، ويكتب أصول التجويد.
أسمر عبر تم تبجيله كثيرا، وعرف كل أنواع ودرجات التكريم، عن استحقاق مؤكد بالوجود، ليس في يومنا هذا فقط، ولكن للمدى البعيد، ومهما يقولون، ولا غرابة أن نرى بيننا الأجداد، والأحفاد يترنمون معه بنفس فرائد ألحانه، ويشاركونه في محاولة الإتيان بنغمة ودرجة صوته الماسي، الذي يحفر في الذاكرة تمثال من الابداع.
محمد عبده موسوعة فن، ومدرسة عربية كبرى، ورمز، والمدارس، والرموز والموسوعات ندرة وسط من يسلقون الأغاني، كما البيض.
ونصيحة لكل من يحاول أن يخلق له منافسين من الأحياء والأموات، أن يرتاحوا، لأن التاريخ والإبداع هما من ينصفا، ولا يرجعا لأوهامهم.
- 30/04/2024 الوزير الفضلي يشهد توقيع (10) اتفاقيات لتطوير استخدامات المياه المجدّدة ودعم الحلول التقنية والابتكار واستدامة الإنتاج الزراعي بالمملكة
- 28/04/2024 وزارة الرياضة تشارك في واحة الإعلام بالتزامن مع استضافة المملكة لأعمال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي
- 24/04/2024 توقعات ان يصل سوق الولاء في المملكة الى أكثر من 1.6 مليار دولار خلال اربع سنوات
- 24/04/2024 140.7 مليون دولار أمريكي إجمالي التكاليف الاستثمارية لشركات الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي في المملكة المغربية
- 23/04/2024 نادي محايل الرياضي وبلدية المحافظة يوقعان عقد شراكة
- 23/04/2024 بتنافس أكثر من 270 مشاركًا.. وزارة النقل والخدمات اللوجستية تقيم الحفل الختامي لجائزة الإبداع في نسختها الثانية.. والجاسر يكرم الفائزين
- 21/04/2024 ” الإحصاء” تطلق المسح الزراعي الشامل
- 21/04/2024 مسعود رد الجميل … عرفانًا بحقوق كبار السن بتوجيهات الرئيس وتخصيص مبلغ 100 مليون جنيه من صندوق “تحيا مصر” لدعم صندوق كبار السن
- 21/04/2024 “العسومي” يستنكر مواقف العار المخزية للحكومات الغربية تجاه جرائم الاحتلال في فلسطين ويطالب بإصلاح مواثيق عمل المنظمات الدولية*
- 18/04/2024 ريال مدريد الإسباني وبايرن ميونخ الألماني يحسمان تأهلهما للدور نصف نهائي من دوري أبطال أوروبا
موسوعة محمد عبده الإبداعية الفريدة
Permanent link to this article: https://aan-news.com/articles/176139.html/