تم القبض عليه مؤخرا، بعد أن تسبب في قتل أحد الجن على يديه، وهو يعالج مريضا ملبوسا به، بنية إخراجه من جسده!
لم أعد أريد أن أعرف أكثر، فلا يهمني أن يكون المعالج جنيا، ولا أن يكون المريض إنسيا، ولا أن يموت هذا أو يختفي ذاك، فالقصص، التي تحكى هنا غريبة، مريبة، تدعو للبعد عن الأكيد، والتشبث بالواهي، وهنالك نوعا من الخوف من هذه العوالم الخفية، والأمكنة السفلية، التي يوجد بها كل هذا الزيف، والتخيلات، والقطط والكلاب السوداء، والبعد كليا عن المنطق، وعن الملموس، ومباراة الغيب في ملاعب الغيبيات.
دخل إلى المكان، الذي كان يستخدمه لمعالجة الممسوسين، وظل يبحث عن بقايا أوراقه، تحت السرير، الذي كان يجلد مرضاه فوقه بالعصي.
ويجد نسخة قديمة من التصريح الحكومي، الذي كان يعالج على أساسه، ويقوم بتقطيعه بهياج:
تصريح خرطي، لم يعد يحميني، ولا يغنيني، وقد كنت أفاخر به، والناس يقفون صفوفا بالشارع، ينتظرون الدور للدخول إلى حضرتي، وأنا أتف عليهم وأجلدهم، وأكسب رزقي.
ثم ينظر لي باستغراب:
هل أنت مريض عندي، سبق وعالجتك، وهل عالجتك بوصفة آل بيضة، أو آل حرفة؟
ثم يضحك ضحكة بها بعض الجنون:
لا تخش شيئا، أنا مسيطر عليهم جدا، وكلماتي وقراءاتي تتحكم بهم، فلا يمكن أن ينقلبوا علي.
ويصدر تعويذات، وأصوات تشابه خلفيات أفلام الرعب:
العياذ بالله، أهل عصرنا الحديث، لم يعودا يصدقون بوجود الجن، والعفاريت، والعالم السفلي، وأصبحوا لا يفزعون كثيرا، ويظنوننا نكذب عليهم.
وتجحظ عينيه من بين أجفانه:
الجني قد يظهر لكم صغيرا، باعتباره غير مرئي، ولكنه أكبر مما تتصورون، وهو إن وصل لأي فتحة في الجسد، يدخل منها، حتى لا يعود الشخص يتنفس، إلا من تحت أظافره!
ثم ينظر نحوي بغضب:
نعم.. نعم يكلمونني، وأكلمهم، ويُسلمون على يدي يوميا، فلا تستهزئ بالدين، وثق بأني أعرف كيف أنفس انسداد الجني وسط الأضلاع، وأنا من يجعله لا يعود، فأحرقه بالقراءة، نعم قراءات القرآن تؤذيه، الجني الكافر لا يصمد أمامي ولو دقيقة.
ثم يبتسم، وبنظرية تدل على الخبث، وصوت منخفض:
الجني الذكر يحب البنات، من سن صغيرة، وهو.. لعنة الله عليه، من يجعلني أمسك بصدورهن، وظهورهن، لأتمكن من إخراجه، من تلك الأجسام الجميلة، الغضة، وبعض الأهل يغضبون، ويعتبرون ذلك تحرشا.
ويجلس على كرسي بلاستيكي:
نستخدم هذه الكراسي الرخيصة، حتى لا يقوم الجني بتكسيرها على رؤوسنا، ورؤوس من يدخل في أجسامهم، وكنا في الزمن الماضي لا نستخدم كراسي، فيكفينا بطانية، نلفها على جسد المريضة، ولنا حرية تقليبها، وتلميسها، ولكن الكراسي إذا طاحت سهلت علينا التلميس.
ثم ينظر خلفه، وعن جانبيه، ويتف مرات عديدة:
نحن نسير مع الرؤية، وبعض الجن السواح يحتاجون عزفا موسيقيا، فالطبول لم تعد تكفي، ولكني، لا أسيطر على بدني، فأهز معهم، وقد تخرج الأوضاع عن السيطرة، وأجد أحدهم يقيدني، مدعيا أن الجن قد استنزلوا بي في وسط الراقصين، وتخيل، أن يكون من يسعفني، هو نفسه المريض، الذي كنت أعالجه، فيصيبني الخجل إذا قبضوا علي وأنا متلبس.
ثم يقف على قدميه، وكأنه يلقي خطبة وعظ:
الجن حق، ولا أحد يشكك في وجودهم، رغم أن الدلائل على ذلك غير ملموسة، فكيف تريد أن تلمس غير الملموس، وتحاكي من يقف خلف جدران الغيب، في ظلمة نعتقدها، وربما هي بياض نتمنى مثله، ونحن فيه الأسباب.
ويجري لأحد الدواليب، ويفتش فيه، ثم يحتضن صرة صغيرة ويضحك:
الحمد لله أنهم لم يسلبوني كل قدراتي وقوتي، هذه الصرة، فيها خلاصة ما قرأناه في كتاب شمس المعارف، ذلك العلم، الذي ترفضه الجامعات، ويرفضه المتعلمين، ممن يشككوا في الدين.
ثم يتغير وجهه لينذر بالغضب:
حسبنا الله فيكم، يا من تحاولون إطفاء الشمس بأيديكم، لماذا سحبتم تصريحي، ومن الذي سيتمكن من تخليص الشعب من الجن، ومن العفاريت.
إنها حرب معلنة بين السكون وبيننا، وبمجرد سحب تصريحي، قامت الأفراح، والليالي الملاح في أرض عبقر وأرض التيه العظيم، اللهم فأشهد، فقد عملت ما هو مطلوب مني، ولكن قومي لا يفقهون.
ثم يقترب مني بحرص:
أعترف لك، بأن الأمر أسهل مما تعتقد، مجرد ذقن، ومعاونين، وحفظ لعدة آيات، تجعلك خير معالج، والأكثر أهمية التصريح الرسمي، وقدرتك على اقناع المجانين!