وجدته منكبا على ورقة يجر قلمه عليها ببطء وكأنه يحيك رسمة ما , اقتربت منه وتمعنت الورقة فوجدتها تحوي رسمة لم تبد لي من الوهلة الأولى الا ( شخابيط ) يسلي بها طفل الحادية عشر نفسه , فسألته ماهذه الرسمة ؟ وليتني لم أسأله لقد اجبرني جوابه أن أسطر وبكل حماس هذا المقال الذي اعتبره عتابا شديد اللهجة للمعنيين . هل تعلمون بماذا رد على سؤالي ؟
لقد اختصر ذلك الطفل كل عناء الطفولة الحديثة , وكل آلام أقرانه , وكشف المكبوت في نفوسهم بقوله : ( أن هذه الرسمة عبارة عن حاوية للنفايات ممتلئة بالأسلحة وخلفها أطفال يدفعونها ليلقون بها من حافة أقرب هاوية تصادفهم ليتخلصوا منها ويعيشوا حاضرهم بأمان ومستقبلهم بأمان .. )
دعوني أنحِّي دهشتي وصدمتي جانبا من حجم المعاناة التي ملأت صدر هذا الطفل وأقرانه , وسأكون شاهدا مع هذا الطفل على كل ما رسمه وعبر عنه ؛ فمنظمة اليونيسيف أوردت في تقرير لها أن العام 2013م شهد على وجود ثمانية وعشرون مليون طفل حول العالم خارج المدارس , وأن هناك مليار طفل يعيشون في مناطق الصراع منهم ثلاث مئة مليون طفل دون الخامسة والقائمة تتدلى طولا ... ودعوني كذلك أن أجزم أن طفولتنا أنقى وأعذب من طفولتهم ، فطفولتنا لم تكن مزدحمة بالصراعات السياسية التي يصنعها الأشرار وكانت قضية فلسطين ربما هي الوحيدة التي نسمع عنها أو نشاهدها , وليست متغلغلة كثيرا في يومياتنا ولذلك عشنا في مكان شبه خال وهادئ طوال طفولتنا .
أما أطفال مابعد الألفية فلا أتردد في أن أقول أنهم ضحايا وأننا لا نبرأ من ذنبهم , فهم يتلقون يوميا وعبر الفضاء أو عالم الافتراض عشرات الرسائل البائسة وعشرات القضايا الفلسطينية لا بل أن القضية الفلسطينية بالنسبة لهم تعد مستراحا مقارنة بسوريا واليمن والعراق وغيرها .
إن أطفالنا في البلدان المستقرة - خليجيا بالذات - لا أظن أنهم أفضل حالا من أقرانهم في مناطق الصراع فأولئك يعانون صنوفا من الشقاء أقلها سوء التغذية وأشدها الاكتئاب الشديد , وأطفالنا يعانون الأزمات النفسية من محيطهم الإقليمي المضطرب ومستقبلهم الضبابي وحق لهم ذلك .
سأكون صريحا جدا وأقولها بلا تردد ليتني أحد أولئك الأطفال الذين يدفعون الحاوية حتى ألقيها من أعلى مبنى الأمم المتحدة فتتناثر أمام بوابة مجلس الأمن , أو ليتني أملأ بها طرقات وممرات المنظمات والهيئات الدولية المعنية حتى تؤذيهم ويعانوا من ثلويثها لملابسهم وإزكامها لأنوفهم لعلهم يعوا حجم الكارثة التي ينسجون خيوطها كل يوم لأطفال الغد الذين ربما أنهم أغرابا حتى على أنفسهم .