يجب مقاضاة رمضان على ما يسببه لنا من متاعب في الزحام والمقاضي ومستلزماته، ونعرف أننا نحن من يجني على الشهر الفضيل، فهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وهو شهر التهذيب سلوكيا وصحيا ونفسيا، لكننا تعودنا على تبرير أخطائنا وكيل التهم على الآخرين،- أي آخر- حتى وإن كان لا ذنب له. (كل عام وأنتم بخير)، عبارة نرددها في الأعياد وبداية السنة ونهايتها، أمنيات!!! بأن يكون الأهل والأصدقاء ومن نحب بخير وصحة وعافية، وفي نفس الوقت ومع سعار الأسعار والأزمة الاقتصادية محليا وعالميا، وكثير من الأسر تشتكي من ضيق ذات اليد، وقلة الدخل وكثرة الاحتياجات وطلبات الأبناء وربات البيوت، بما يشكل ضغوطا ترهق كاهل عائل الأسرة (سواء كان ذكرا أو أنثى)، وأصبحت كماليات الكماليات من الضروريات والأساسيات ، ويقف العائل عاجزا عن سد الاحتياجات؛ وهو يُعوّل على أفراد الأسرة تقدير الوضع والظروف، لكن لا رحمة له أمام المقارنات وطلب المساواة بالجيران والأقارب والمجتمع المحيط بهم، مما يجعل العائل مجبرا على الاستدانة والاقتراض أو مد يده لتكون سفلى، وعادة ما يمد يده في أماكن لا يراه فيها أحدا من الأقارب أو الأسرة أو الجيران، وهذا الصراع الذي يعيشه هذا العائل لن يكون بعده بخير، لكننا نقول له "كل عام وأنت بخير"!
أما الأسرة فكل عام وهي بخير؛ بعد المقليات والمعجنات والحلويات والسكريات والمشهيات والدهون؛ وبغض النظر عن الأمراض والتسمين وأمراض الجهاز الهضمي، نتيجة للسعار في المشتريات والمباهاة في عربات التسوق والتصوير للموائد؛ والتعليقات المقززة عليها من بعض من- يريد أو تريد- الشهرة بمائدته أو بخلفيته، وكل عام وهم بخير بعد فقدان الذوق والصحة والحياء.
لا ننسى أن هناك عوامل ساعدت على وجود هذه الظواهر في كل العالم؛ لكن عالمنا العربي هو عادة من يأخذ قصب السبق في هذه الظواهر، لا أعمم ولا أقول إنها سيئة احتراما للنعمة ولمن يقدرها حق قدرها ويهتم بذوقه وصحته.
من أهم هذه العوامل!!!! هي: الرأسمالية وشرورها التي جعلت كل المجتمعات استهلاكية؛ والرأسمالية يهمها الكسب وزيادة تكدس الأموال، حتى وإن كانت على حساب الصحة والجمال.
العامل الثاني: الدعاية والإعلان المباشرة وغير مباشرة وتنوعها، فأصبحت التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي تفرض على الناس المباهاة، وأصبح بعض المنتجين والتجار يستغلون المشاهير؛ لعمل الدعاية والبثوث وكأنها تلقائية وحياتهم الطبيعية ،ويصدقها الأطفال وقليلو الإدراك.
بعض حديثوا النعمة والمعدمين على السواء ؛تقريبا اهتمامهم أكثر بهذه العادات السيئة، فهناك من يستعرض وهناك من ينبهر، وكل عام وهم بخير.
أصبحنا في حيرة شديدة، لأننا نتعمد غض النظر عن كثير من هذه الظواهر والعادات الجديدة، لكن مع كثرتها (العادات الدخيله )ومع كثرة مجاملاتنا لمن لا يستحق ولا يرحمنا من أهلنا أو مجتمعنا، نود أشعارهم أننا ربما نتنازل ونتغاضى عن أشياء لكننا لا يمكن أن نتنازل عن الصحة ولا حب أوطاننا واحترام عاداتنا وتقاليدنا، ولا بد من أن يفهم من يعي الدين أن الصيام للصحة، ولتنظيم الوقت والسلوك والعادات، لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حديث صحيح في معناه وضعيف في إسناده: صوموا تصحوا.
ونهى الدين عن التبذير والبذخ ووجوب احترام النعمة، ونتذكر إخواننا في الدول التي ابتليت بالحروب وعدم استقرار الأمن، وقلة الكساء والغذاء وهم أهلنا في غزه والسودان واليمن وبعض منا نحن ؛وهم بيننا لا يسألون الناس الحافاً وتحسبهم أغنياء من التعفف.
ولذلك أنا ضد من يتجاوز؛ حتى وإن تغاضينا لئلا يفقدونا أو نفقدهم، ونكون نحن وهم كل عام بخير.
وأنتم أيضا بخير.
عبد الرحمن عون.