قيل ويقال وسيقال إن الإنسان؛ أقدر كائن على سرعة التكيف مع البيئة من حوله أيا كانت، وقادر على التغيير وسرعة الوصول إلى ما يريد، وبخاصة عندما يحتاج أو يصر على النجاح والوصول، ويطوع نفسه وما حوله للوصول لهدفه، وكما يقال: الحاجة أم الاختراع.
غير أن اختلاف الثقافة والتطور العلمي على المستوى السيكولوجي والفسيولوجي جعل الإنسان طوع العلم والتجارب، فهو يطوع العلم ليكون عبدا مطاعا للعلم ذاته.
هذه المواءمة تبدو اختيارية في بدايتها لكنها تصبح ملزمة وضرورية، وهنا تتغير الحاجات وأهميتها، فما هو كمالي يصبح أساسيا والعكس صحيح.
حتى الماديات والأشياء من حولنا تختلف أهمياتها وحتى مزياتها ، فقد يكون ما هو مقدس اليوم غير مقدس في الغد لاختلاف المفاهيم وللبرمجة اللغوية والعصبية التي استطاع الإنسان أن يطورها ويستخدمها له.
وفي كل حالة من الحالات تكون التبدلات سريعة أو بطيئة حسب استقباله لها وحسب ما يريد، وبالتالي تختلف المعايير التي يمكن القياس عليها وتختفي عمليات المقارنة أو تتلاشى.
حتى العلاقات وارتباط الأشياء ورمزيتها والجماليات قد تتفرد وتنفصل، فلا تعني لك الأشياء الجميلة بنفس المعيار والقدر الذي كانت تعنيه لك سابقا، وهذا سيكون نتيجة للتغيرات المتسارعة في عالم اليوم ومع تطور العلوم والتكنولوجيا وما تحدثه فينا بشكل نستجيب له سريعا.
وليس لدي ما أستشهد به على ذلك سوى السرعة في تغيير ما هو ضروري وأساسي وأصبح جزءا من حياتنا وما نستطيع إهماله وتركه جانبا رغم ضرورته فيما سبق، فلا نستطيع تجاهل أهمية المواصلات لتنقلنا، ولا أهمية التقنية لتواصلنا، ولا أهمية الكهرباء والطاقة لأجهزتنا وحياتنا، فأصبحت كل هذه الكماليات ضرورة؛ وغيرها تقريبا كمالي.
وعليك يا عزيزي أن تتخيل كيف تكن حياتك بلا كهرباء أو بلا جهاز الهاتف أو إنترنت، ستشعر أنك تعيش في سجن بلا أسوار وفاقد لنصف وعيك، فذاكرتك واهتماماتك وحساب وقتك وإدارتك لأعمالك؛ أصبحت بالأجهزة وبالإنترنت تحديدا، وعندها ستعرف أهمية الوردة التي تتغنى بمحبوبتك فيها؛ وأهمية الإنترنت وشعورك بحالة الضياع من غيرها، عندها ستقول لمحبوبتك (يا إنترنتي)، أشعر بضياع بلا وجودك معي.