بين ساعات مضت ، وأخرى قادمة تمر الأيام سريعة لنودع رمضان ، شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران ، شهر فضيل بروحانيته ملئ بعطاياه وهباته ، جمع المحبة والصفاء وساوى بين الفقراء والأغنياء ، جاع فيه الغني ليتذكر حاجة الفقير ، فزادت الألفة والمودة ، وكثرت الصدقات وأخرجت الزكوات ، شهر نقيت فيه النفوس من الذنوب والمعاصي ، وطهرت فيه الأبدان ونمت فيه الأموال ، قال عنه أمير الشعراء احمد شوقي : " حِرْمَانٌ مشْرُوع، وتأديبٌ بالجوع، وخُشُوعٌ لله وخُضُوع، لكلِّ فريضةٍ حِكمة، وهذا الحُكْمُ ظاهرُه العذابُ وباطنُه الرحمة، يستثير الشفقة، ويحضُّ على الصَّدَقة؛ يكسِرُ الكِبْر، ويُعلِّمُ الصَّبر، ويَسُنُّ خلال البِر؛ حتى إذا جاع مَنْ ألِفَ الشِّبَع، وحُرِمَ المُتْرَفُ أسباب المُتَع، عَرَفَ الحِرْمَانَ كيف يقع، والجوعَ كيف ألمُهُ إذا لذع ".
شهر صمنا فيه ، لأن الصيام ركن من أركان الإسلام ، فحمل لنا العديد من الفوائد الصحية للجسد ، فوائد تحدث عنها غير المسلمين ومنهم القسيس كاريل الطبيب والجراح الفرنسي ، والحائز على جائزة نوبل في الطب عام 1912، في كتابه (الإنسان ذلك المجهول) بقوله : " إن كثرة وجبات الطعام ووفرتها تعطل وظيفة أدت دورا عظيما في بقاء الأجناس الحيوانية وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام ولذلك كان الناس يصومون على مر العصور ، وان الأديان كافة لا تفتأ تدعو الناس إلى وجوب الصيام والحرمان من الطعام لفترات محدودة إذ يحدث في أول الأمر شعور بالجوع ويحدث أحيانا تهيج عصبي ثم يعقب ذلك شعور بالضعف ، بيد أنه يحدث إلى جانب ذلك ظواهر خفية أهم بكثير فان سكر الكبد يتحرك ويتحرك معه أيضا الدهن المخزون تحت الجلد ، وتضحى جميع الأعضاء بمادتها الخاصة من أجل الإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلب ، وان الصوم لينظف ويبدل انسجتنا " .
وقبل رحيل رمضان ، أقول : هنيئا لمن أحسن استقباله ، ومن صام نهاره وقام ليله ، وتقرب إلى الله بأعمال صالحة ، ومع رحيله اردد قائلا :
رمضان دمعي للفراق يسيل والقلب من ألم الوداع هزيل