صوت الإطارت يصطرخ على الطريق و الهاتف المعلق بجانب فتحة التكييف يلوح بالمكالمة العاشرة لنفس الرقم، بالكاد استطعت التملص من إجتماع هام لأن عقلي مشغول به و به وحده. نفس الموضوع الذي ظل يتكرر طوال الأشهر الماضية. اتصالات زوجة اخي تشتكي من تصرفاته الغريبة التي لم تتوقف منذ أن استقال من وظيفته و تفرغ لمشروعه الخاص، الذي إنهار تماماً بعد أشهر لم تتجاوز فترة حمل خديج. عبودية القرن العشرين، هكذا كان أخي يسمي الوظيفة. الساعة الثامنة مساءً، أوقفت سيارتي واخذت الجوال
"أنا عائدة لبيت أهلي في سيارة اخي الصغير وإبني معي، دبروا حلاً لآخوكم فالحياة معه لم تعد تطاق"
هذه كانت رسالتها الأخيرة، كنت أقرأها بينما أنا اخذ رتوة تلو الاخرة متجهً لبيته المظلم على غير العادة. طرقت الباب ثم صحت به : فواز ، افتح الباب انا اخوك سعد.
لا لن افتح ! لو فعلت فلن يأتوا!
من هم يا فواز؟ هيا، اريد ان اتحدث معك قليلاً.
بدون انذار فُتح الباب على مصرعه و يده الضخمة سحبتني للداخل ، ثم أصبحت فجأة معه في جوف بيته في الظلام المخيف، لم أتمكن حتى رؤية وجهه، اخي كان ضخم الجسد سموه اهل الحارة ب" السطحه" كانت له هواية رفع أي شخص بالحارة والسير به و كان الجميع يراهن على فشله ولكنه ينجح كل مرة.
فواز اين انت ! لا استطيع رؤيتك !
انا هنا.
علا صوته من جوف الظلام ، لاحظت قبل دخولي ان ملصقات داكنة على كل نوافذ البيت ، النوافذ الضخمة التي قاتلت زوجته لأجلها قائلة اريد ان تدخل الإضاءة لداخل البيت، ونسيت ان دخول الإضاءة لداخل العقل اهم بمراحل
سيأتوا قالوا انهم يحتاجون الظلام ليأتوا .
من هم ؟
لا داعي ان تعرفهم . ولا داعي ان اعرفهم اذا جاؤا سنعرف كلنا .
فواز انت تخيفني هيا لأخذك خارج البيت ؟ لما لا نتناول الطعام خارجا؟ انت تحب الاكلات البحرية تعال معي اعرف مطعماً رائعاً.
لن اخرج اخشى ان خرجت و جاؤا ولم يجدوني فلن يعودوا مرة أخرى هم قالوا هي مرة واحدة سنأتي لك ، واحدة فقط ، هي زيارة يتيمة إن لم نرك كفؤ لنا فلن نأخذك .
فواز لا يوجد احد هنا ، إنها الأوهام فقط، كنت اخطو بصعوبة في جوف هذا الظلام الدامس اريد الوصول الى مفتاح الإضاءة لكي اعيد فواز الى صوابه، اعتادت عيناي على الظلام وهنام بصيص من النور في اسفل النافذة بسبب قصر الملصقات مرت سيارة بالشارع ونالنا شيء من نور مصابيحها الامامية واصلت الحديث
اسمعني يا فواز إن الحياة جميلة، جميلة جداً، لا زالت لديك زوجة صالحة تحبك وابنك الصغير الذي يتوق لحضنك و يحتاجك سند له حين يكبر
ابني! لا بد أن احميه بكل قوتي من شرور هذا العالم . انه عالم قاس مليء باللصوص والمحتالين الذين يرتدون اغلى واطهر الملابس و يتحدثون كالعلماء
وصلت يدي الى الجدار و اخذت اناملي تتحسس الجدار لكي اصل إلى المفتاح بقي القليل فقط ، اخشي ان يثور ان عرف خطتي. هنا لن ينقذني رابط الاخوة. قررت المماطلة: فواز هيا تعال مع الى ابنك انه مشتاق اليك، هيا إلى النور واترك الظلام لأهله فانت بشر والبشر يحبون النور . الا ترى كيف تغزلوا بالقمر ، الا ترى كيف حاولوا اضاءة العالم بالشمع ثم بالمصباح الكهربائي ، هيا يا فواز تعال معي.
لا صوت ولا حركة . هنا تسارع نبض قلبي وشعرت بالقلق ، اتخذت قرارًا حاسماً و حركت المفتاح وقد أغلقت عيني درء لوجع العين على اثر النور المفاجئ
حين فتحت عيناي لم أرى فواز ولم يره احد بعد ذلك اليوم