الاستشراف يعرف بأنه "منهج لا يسعى إلى التنبؤ بالمستقبل أو التخطيط له، بل يقوم بإجراء مجموعة من التنبؤات المشروطة أو المشاهد والسيناريوهات التي تفترض الواقع تارة، والمأمول فيها تارة أخرى، أياً كانت طبيعة الصور المأمول فيها، دون أن تنتهي إلى قرار بتحقيق أي من هذه الصور، فهذا أمر يدخل في حيز التخطيط، بهذا المعنى فإن الاستشراف هو دراسة لحالات احتمالية، لها شروط ومؤشرات معينة، تصاغ في بدائل، على شكل مشاهد مستقبلية مترابطة منطقياً.
والدراسة الاستشرافية تستخدم المشاهد في توضيح عملية التطور في ظواهر معينة، وهذه المشاهد تتضمن عدة افتراضات تحاول أن تحصر عملية التطور تلك.
والاستشراف هنا يختلف عن التنبؤ. ويكمن الاختلاف بينهما في درجة تحديد حدوث أي من بدائل المستقبل فكلاهما يتفق في دراسة حدوث بدائل معينة للحاضر الذي نحياه، ولكنهما يختلفان في درجة تحديد حدوث أي من تلك البدائل. فالدراسة الاستشرافية لا تنتهي بتقرير حدوث أحد البدائل الواردة فيها فهي تدرس بدائل متعددة احتمالية وتقارن بينها، ولكنها لا تنتهي بتحديد أي منها يمكن أن يحدث أو سوف يقع. فهي في طبيعتها دراسة للاحتمال الممكن حدوثه. وهي في ذلك تسعى لمحاولة التأثير على شكل المستقبل القادم. أما التنبؤ فهو تقرير بحدوث أحد بدائل معينة للمستقبل، بناء على تتبع مسار متغيرات معينة في الماضي والحاضر، ورصد تأثيرها على ظاهرة ما في المستقبل، بحيث ينتهي إلى أن تطور تلك المتغيرات سوف يؤدي إلى حدوث بديــل معين دون غيره.
وإحدى مسلمات التحليل الاستشرافي هي أن المستقبل يستطيع أحياناً أن يفاجئنا بأحداث وتطورات لم يدخلها الباحثون في الحسبان. فلا يستطيع أحد اليوم على سبيل التأكيد أن يحدد مثلاً الآثار السياسية والاجتماعية لموضوع العلاقات الدولية، حيث تتعدد المتغيرات وتتشابك وتتعقد. على أن إدراك ذلك لا ينبغي أن يؤدي بنا إلى نبذ محاولة استشراف المستقبل، بقدر مما ينبغي أن يدفعنا إلى فهم حدود معارفنا، والتواضع فيما نقدمه من نتائج، والحرص على استنفاد الاحتمالات والتداعيات المحتملة.
والاستشراف وإن كان داخلاً في مجال التخطيط الاستراتيجي إلا أنه يختلف عنه، فالاستشراف يعنى بالتعرف على احتمالات ما سوف يكون في المستقبل، أي أن نتائجه متعددة الاحتمالات مع محاولة ترجيح احداها دون أن تكون معنية بالوصول لنتيجة معينة.
بينما يعنى التخطيط الإستراتيجي بتحديد هدف معين مسبقاً ومحاولة الوصول إليه، وبالتالي فإن الاستشراف يساعد بشكل كبير في توجيه التخطيط الاستراتيجي..
فالواجب علينا هي النظرة الشاملة للاستشراف وأخذ تجارب الدول الناجحة في هذا المضمار كأنموذج مثالي للنهوض والتنمية والتطوير المستقبلي.
فدراسة الأوضاع بعقلانية وبنفس تنموي يطمح لإسعاد الناس والمجتمع، هو الحل المثالي للولوج في هذا السباق العالمي كما نلاحظ ونشاهد ونلمس نتائج رؤية السعودية 2030.