يتطلع كلاً منا لمعرفة الأمور الغائبة عنه، خاصة إذا كانت تتعلق به ، ولذا نجد كثيراً من الناس يحرص على تعبير المنامات لأن فيها إخبار عن أمور قد تحصل له في المستقبل ، أن الحرص على معرفة المستقبل أمر جُبل عليه البشر
لكن ماذا لو بدأ الانسان بالتخطيط لهذا المستقبل، وذلك بالسير وفق منهج وخطط واضحة يسير عليها ، عن طريق دراسات مبنية على معلومات وتحليل هذه المعلومات يقوم بها الباحثون المختصون .... بعيدا عن التكهنات، فهذه الدارسات تقوم على معايير واضحة ومحددة ، فهي ليست تكهنات ولا ضربا للغيب ،
بل هي دراسات قائمة على قواعد وأسس، تعتمد فيها على خبرات الماضي وفهم واقعه ، وبناء عليه يستشرف للمستقبل ، فيتوقع المستقبل بنا على المعطيات التي عنده والتطلعات التي يريد الوصول إليها ( القدرات والرغبات ) بحيث تساعده على الوصول إلى أهدافه التي يريد ،هذا باختصار هو "مفهوم الدراسات الاستشرافية أو المستقبلية "
أن للدراسات الاستشرافية أهمية كبيرة في جوانب عدة في حياتنا، فلها أهمية في الجانب الاقتصادي والسياسي، والاجتماعي وغير
ففي الجانب الاقتصادي مثلاً، نجد كثيراً من الشركات الكبرى تولي هذا العلم اهتماما بالغاً، لأنه يسهم في تعزيز جانبها الاقتصادي في توسع هذه الشركات ويساعد في تجاوز العقبات والتحديات ويقلل من الأخطاء التي قد تواجهها، خاصة إذا تمت هذه الدراسات بشكل جيد
ونلاحظ بعض الشركات لأنها لم تستشرف المستقبل وتدرسه وتواكب التوسع والتقدم الذي حصل، فأصبح مالها إلى الإفلاس لأنها أهملت مثل هذا العلم .
ونجد في القرآن الكريم اهتماماً في جانب المستقبل والحث على الإعداد له
فقد ورد القرآن الكريم ما يدل على الاهتمام بالمستقبل قال تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) سورة الحشر 18
فالقرآن يرشدنا أن نهتم في المستقبل وإن كان المقصود بالغد في الآية هو يوم القيامة عند عامة المفسرين ، إلا أن دلالة الآية عامه ويدخل فيها كل غد ولا شكل أن الغد من المستقبل .
فهذا العلم يجب أن يُهتم فيه وأن تدرس قواعده بشكل جيد ، وأن تنشأ له المراكز ويفعل دورها، ومن أبرز النماذج الاستشرافية في وقتنا الحاضر هي رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي تقوم على استشراف المستقبل بناء على المعطيات الحالية ودراسة الماضي، سعياً للتحقيق أهداف تطلعيه يكون فيها نفع للبلاد والأجيال القادمة ، وهذا ما حدث بالفعل فقد تغيرت معطيات كثيرة وبدأت تتجه في طريقها الصحيح ، وبإذن الله تتحقق جميع أهداف هذه الرؤية المباركة .
باحث دكتوراه في الدراسات الاسلامية المعاصرة