جميع المجتمعات الإنسانية تقوم على الأدب ومراعاة الذوق العام فيما يتكلمون فيه بينهم .
وأما في لغتنا العربية فإنَّ لمصطلح الأدب معنيين : الأول هو تسمية بلاغة نصوص اللغة العربية بالأدب من نثر أو خطابة أو شعر ، وله معنى آخر في تربية الأبناء فنقول : نؤدب أبناءنا أو نعلم أبناءنا الأدب ومعناه عدم الخروج عن مستحسن الألفاظ ويمنع استخدام الألفاظ الخارجة عن نطاق الأدب العام وبذلك يرتفع منسوب الذوق العام باختيار أجمل الألفاظ وأحسنها وأجودها ، هكذا علمونا وكذلك نعلم أبناءنا .
ولكن في عصر المعلومة والحداثة والحواسيب والتطبيقات بشقيها النافع والضار ، وبمجرد القيام بإحصائية بسيطة من خلال عدد الاعجابات وأعداد المشاهدة للمقارنة بين ما هو نافع وما هو ضار وبذيء وخارج عن حدود الأدب والذوق العام ، نجد بأن عدد المعجبين والمشاهدين لما هو ضار وخارج عن حدود الأدب يحصد أرقاماً فلكية وأما المواد النافعة التي لا تخرج عن حدود الأدب فمعجبيها بالعشرات وإن بالغنا بالمئات ، والمشكلة التي نستنبطها من هذه الإحصائية هو وجود مؤيدين معجبين بسفاسف المواضيع السخيفة وقد تكوم منحطة ويكثر فيها الألفاظ البذيئة التي تجرح الذوق العام ، فهل خرج الأدب عن الخدمة ؟ لأنَّ المعجبين والمشاهدين بهذا العدد يعني موافقة ماقيل من بذاءة وقلة أدب ، لذلك أصبح لهم شعبية في أدوات التواصل الاجتماعي وانحسر عدد المؤيدين للأدب العام رغم صرخات الواعين من تدهور الأجيال القادمة أدبياً لأنهم فتحوا عيونهم في هذه الدنيا على هذه المأساة فيصبح قلة الأدب وانعدام الذوق العام هو السمة والصبغة الأساسية لمجتمع المستقبل ، لست متشائمة وهذه ليست نظرة سوداوية للمستقبل وإنما قراءة واستشفاف المستقبل من خلال الواقع ، ليتنا نعلم أبناءنا ونحذرهم من منح السخافات المطروحة إعجابهم بها أو حتى مشاهدتها لأن رصيد الإعجاب والمشاهدة يعطي عديمي الأدب تشجيعاً على تكرار بذائتهم .