ارتبطت الحياة الاجتماعية في مكة المكرمة سابقا بمجموعة من العادات والتقاليد المكتسبة من داخل الأحياء القديمة ، والتي شكلت النواة الأولى للأسر ، فاستقى الفرد علمه ومعرفته من أحوشتها وأزقتها قبل أن يلتحق بالكتاب أو المدرسة ، ومن خلال هذه الحارة برزت المواهب وصقلت الهوايات ، وكانت ليالي شهر رمضان المبارك فرصة للمسامرات الأدبية والثقافية ، والألعاب الشعبية ، والمباريات الكروية .
وإن كانت الحارة قد صقلت المواهب ونمت القدرات ، فإن للأم دورا بارزا في تربية الأبناء وتثقيفهم ، فرغم عدم إلمام الكثيرات منهن بالقراءة والكتابة إلا أنهن كن يمثلن مدارس تربوية كبرى ، إذ كانت الأم حريصة على إظهار الأب في أحسن صورة أمام أبنائه حتى وإن كان لا يجيد القراءة والكتابة ومن ذوي الدخل البسيط ، ويبرز ذلك في تلك الكلمات الجميلة التي تطلقها الأمهات على الأبناء بعد عودتهم من صلاة عيد الفطر مرتدين الثياب الجديدة فتنشد قائلة :
يا مرحبا بعطر العود
ترحيبة من هوى بالي
أمك أم الكرم والجود
وأبوك منصب عال
وكما كانت الأم تنشد فخورة بنفسها وزوجها ، فإنها تحرص على أن يكون زوجها وأولادها من العاملين في خدمة حجاج بيت الله الحرام لأن أيام الحج تسكن وجدان المكيين، ويحرص أهالي مكة المكرمة على إكرام الحجاج مرددين مقولة " هؤلاء ضيوف الرحمن وخدمتهم وأجب علينا " ، ويحرص المكيون على تعليم أبنائهم كيفية تقديم الخدمة للحاج ، ويفتحون بيوتهم للحجاج ، ويتبادلون معهم الحوارات والنقاشات الثقافية والأدبية ، ويتعاملون معهم في التجارة .
وكانت النساء ترى أنه من العيب على الرجل أن يبقى بعيدا عن خدمات الحجاج ، ولا تقبل المراءة المكية أن يبقى زوجها في مكة المكرمة يوم عرفات وأيام التشريق ، وكانت النساء إن رأينا رجلا متخلفا عن الذهاب للمشاعر المقدسة يوم عرفات وايام التشريق ينشدن قائلات :
قيسنا يا قيس
قيسنا يا قيس
الناس حجوا
وانت قاعد ليش
يا قيس يا قيس
قوم أذبح التيس
وفي هذا الانشاد دعوة للعمل على خدمة الحجاج وتأنيب لمن لا يعمل في موسم الحج ، هكذا كانت النساء المكيات يفخرن ويؤنبن بأسلوب تربوي مميز .