من البديهي بأنَّ أداة السمع هي الأذن لدى جميع المخلوقات ، وهذه النعمة يتساوى فيها جميع الخلائق إلا أنه توجد أذن أخرى إضافية يفتح سمعها الخالق لمن شاء من عباده وهي ليست للجميع مثل الأذن المعلومة وهذه الأذن مركزها قلب الإنسان .
وقد استوقفتني آية كريمة في ( سورة محمد ) الآية (16)
فيها معلومات تميّز بين المؤمن الصادق والمنافق في تجربة السماع وقد سرد الحق الآية في صورة رؤيا واقعية حدثت وتحدث يومياً مع الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم يفضح الله فيها المنافقين ويعرِّف رسوله بهم وبصفاتهم فجاء في هذه الآية وهو يصفهم لحظة خروجهم من عند رسول الله فقال : ( ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ) شرح تفصيلي ودقيق وكشف عن الحالة المرضية للمنافقين فذكر الحق بأنهم كانوا يستمعون للرسول الأكرم ولكن يستمعون بآذانهم فقط فلا يحفظون ما قال وبمجرد خروجهم يسألون ( الذين أوتوا العلم ) عما قاله آنفاً واستخدام كلمة آنفاً أي قبل قليل فقط وبلغتنا العامية : ( قبل شوي ) ولكن لماذا يسألون الذين أوتوا العلم ولماذا الذين أوتوا العلم لم ينسوا ماقاله الرسول الأكرم ؟ والجواب يأتي مباشرة بعد سرد سؤالهم بقول الله تعالى تفسيراً لحالتهم المرضية فأشار إليهم باسم الإشارة ( أولئك ) فقال : ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ) فماهو المقصود بطباعة القلب ؟ وأقرب تشبيه للقلب المطبوع هو الورق الأبيض المستخدم في المطابع والذي يستخدمونه لطباعة الكتب فإنهم بمجرد الانتهاء من الطباعة على الورق لا يستطيعون تغيير ولو حرف واحد فقد تمت الطباعة ولو كان فيها خطأ والحل هو إما بقاء الخطأ أو إعادة الطباعة على ورق جديد وإتلاف النسخة التي طبعت ، إذا عندما استخدم الحق جلَّ جلاله كلمة : ( طبع على قلوبهم ) بمعنى أنها استولت على قلوبهم ثمَّ يشرح بعدها ماهو الذي استولى على قلوبهم وانتهى منها فقال : ( واتبعوا أهواءهم ) إذا السبب الذي يصّمُّ أذن القلب هو اتباع الهوى والشهوات وهذا فضح صريح لأنهم عندما كانوا يستمعون إلى رسول الله كانت قلوبهم مشغولة بأهوائهم وتجارتهم ودنياهم وكانوا يستمعون بآذانهم فقط ، ولماذا حفظ كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذين أوتوا العلم ؟ ومن هم وماهي صفاتهم وماهو علمهم ؟ .
وكلمة : ( أوتوا العلم ) أي لم يحفظونه من كتب أو اجتهدوا في دراسته بل هو أتاهم هبة من عند الله عندما كانت قلوبهم خالية من حب الشهوات وغير مشغولة باتباع الهوى فنزل كلام الرسول الأكرم في أذن قلوبهم والكلام الذي يسمعه القلب لا يستطيع نسيانه أبداً إلا أن يشاء الله أمراً غيره .
بقلم 🖋️ البتول جمال التركي