في موسم الحرث ، تستيقظ خضراء زوجة الابن المغترب على صياح الديك ، قبل اذان الفجر بأكثر من ساعة ، كانت قد (عجنت)وجهزت (عجينتها) من الليل ، قبل ان تغسل وجهها ، توقد نارها في(معزبها) المتشح بالسواد ، من اثار الدخان ، (تكب) على( الحنينة)تحت (المشهف)، (توشّي)،(شنعة)صغيرة بعد ان تكون قد جهزت الحطب في (الملة)، وما ان تشتعل النار حتى يرتفع اذان الفجر لينطلق عبر (المساريب) والممرات الضيقة الى كل بيوت القرية ، يصحى ، عمها ، القحم مسفر ، وعمتها الكهلة مسفرة، من النوم على صوت لعلعة (المهراس ) وركام الدخان المتطاير في كل اتجاه، يكاد الدخان يختنق من كثرة الازدحام على المخارج ، يبحث عن مخرج يجتمع عند شقوق (السدة )وعند فتحات (البداية )يتصاعد الى السقف يجتمع حول (الخوة ، القترة) كي يعانق (الوار) الملتصق (بالسواري )ومنها يرتفع الى سماء القرية ليخبر الأهالي ببداية يوم جديد ، مفعما بالنشاط والحيوية ،،،
على صوت صرير(المصراع) ومع ارتفاع صوت القحم مسفر يردد كلمته المعتادة كل صباح ،، يا فتاح ياعليم ، يا رزاق ياكريم ، يالله على بابك ولا خاب طلابك ، قرّب القحم ( ركوته ) وشمر عن ساعديه استعدادا للوضوء ، لصلاة الفجر ، بالرغم ان كمية الماء المستخدمة في الوضوء قليلة جدا لا تكاد تصل منتصف (السيالة) الا ان الماء يقطر من لحيته الكثه ، ارتدى (جبته )البيضاء المكتلة بكتل ملونة يغلب عليها طابع اللون الاحمر والبرتقالي ، واتجه للمسجد يردد في الطرقات اصبحنا واصبح الملك لله ، قبل ان يعود من المسجد تكون القهوة قد (رُشَقت) في (الخمرة ) الكهلة مسفرة (متوكلة)على (الارزاق) وتدير شؤون التموين تخرج من (عليتها) (بطبق) التمر الصفري الملّبز ) من (الجالوق )الجديد ، وقليل من (القسبة) القاسية، (ولحسة دهانه) انتاج بيتي ، سلّمته الكهلة مسفرة بيد زوجة الابن في طاسة صغيرة(زبدية مطلية ) ووضعته جنب (القبس )طرف (المله)،عادت الكهلة مسفرة (لعليتها) تحمل (المنسف)بالتجاه (القفة) لتكيل (نُصَيفاً)من (المشعورة )المنقى من الشوائب ، وتضعه قريبا من (الرحاة)استعدادا لطحنها من اجل تأمين وجبات اليوم، سلم الامام وخرج مسفر من المسجد بعد ان هلل وكبر وسبح واستغفر ، الدخان يغطي سماء القرية ،وما يحدث في بيت مسفر تقريبا حال كل بيت من بيوت القرية البسيطة ،ثم تنزل خضراء من الطاقة للسفل،تحمل في يدها (قازة) لا تكاد ترى من خلال اضائتها موضع قدمها،تتمتم بالبسملة
تفتح باب (السافلة) (للسانية)، تخرج الثيران (حبيش)، (وصبيح) الى (الساحة) ثم تقوم (تحوّق) السفل (بالمحوقة ) او (الهدبه) تجمع (الحواق)في وسط (السفل) ثم تضعه في ( غلقة ) مخصصة لجمع مخلفات (الهوش)، تحملها على ظهرها وتذهب بها
الى (المدّمن ) اللذي يوشك ان يمتلي لك ان تتخيل ان جميع هذا الاعمال تتم قبل شروق شمس ذلك اليوم ، ربما سمعت خضراء ذات يوم عمها مسفر يقول ودنا (نسفي) (الدمنه) بعد (الوسمية) ، و( نخلب ) البيت ، كتمت انفاسها وهزت راسها وقالت بصوتها الخافت (الله ياهب معونه )بهمة ،وعزم،ونشاط وحماس تعود وتضع الغلقة في مكنها المعتاد تضع على ظهر الحمارة اجلكم الله (حلسها) وتتأكد ان (التبع) في مكانه الصحيح حتى لا يميل الحمل ويسقط، تشّد(العِدَاد) على ظهرالحمارة ، تثّبت (الخُرج) وتلف الحبل على خاصرة الحمارةوتحكم الشّد( بالعُقّال) تضع خريطة (الذرو) فوق الحملة والعم مسفر محتزم (بالرّومة) في (عراق )(الساحة) ، زمجر وزبد ورعد هيا توكلنا على الله ،(يسوق) (السانية) أمامه وخضراء خلفه تقود الحمارة متجهين الى (الركيب) الاعلى ، الكهلة مسفرة تراقب المشهد من فوق (الرعش)تلقي بعض التوجيهات المستقاة من خبراتها في الحياة ،غير آبة (بسمطة) الجو ونسيم الصباح البارد وهي على موعد مع حلب البقرة (حبيشه ) الله يبارك فيها، بعد ان يغادر مسفر وخضراء المكان ، باتجاه الوادي ، وصل العم مسفر وخضراء مع (السانية) والحمارة الموقع وقام القحم مسفر يرّكب (العداد) ويلف(العصمان) على
(زرار)(الضمد)و( العودوالسحب) ، الآن كل شي جاهز قبل ان يبدأ القحم مسفر بخط الارض وقلب التربة يتأكد من (البغرة)، بيمينه (يذرى) الحب في الارض وبعد الانتهاء من الذرو ياخذ بحجم قبضة يده من (خريطة) الذرو (وينثرها) في اي اتجاه وهو يقول ، هذي صدقه للنمل والطير وشابر الخير ، بداء القحم مسفر في الخط الاول وهو يردد اهاجيز المزارع المعروفه :
، يالله اليوم يالله ،
جيد لا تعوقه ،
مثل ما عقت زرعا ،
والسبل في حلوقه
الركيب محرّث نهار ، لابد من مضاعفة الجهد ، ارتفعت الشمس قدر رمح وبدت تشتد حرارتها اقترب موعد (الفال)، يشد الانتباه جمال (المظلة) التي تغطي راس خضراء عن حرارة الشمس ، الجميع يقوم بدوره على اكمل وجه ، والجميع يحاول ارضاء القحم مسفر اللذي يثير حفيظته اي موقف قد لا يناسبه ، الكهلة مسفرة قلعت الخبزة المدفونة تحت (الرماد) الساخن بعد ان جهزت (المعرق)( بالقليم) وبعد ان (مخضت )(الحقينه) في (الشكوة )، وفصلت الزبدة عن اللبن واضافت قليل من الماء على (الحقينه) كي تصبح (حقانه) حملت الكهلة مسفرة (الفال) في (قلصها )وسرحت الوادي (بفال الحراث) يستقبلهامسفر فوق (عراق)(الركيب) ، يبادرها بالسؤال ، اش (احوى) بك؟ ياخذ (الحنينه) من يدها يسمي بالرحمن ويذكر الله ويكسرها على ركبته اليمنى ، خضراءتجرالثيران وترفع عنها (الغمامة) لتاكل من (عتلة سند الركيب) ، تفاول الجميع تحت (الحبلة) ، وبعد ان شبع الجميع قامت خضراء تجمع (القُرَاش) المتبقي من الخبزة وتضعه في (القلص) قامت بتعليقه في (الشحطة) من باب حفظ النعمة،تعود الكهلة مسفرة الى البيت تدير (رحاها) لتطحن الحب وتجهز مستلزمات العشاء، لان الغداء سيكون ماتبقى من وجبة الفال،انتهى القحم مسفر من خط الركيب،وخضراءتقرّب له (المدمسة) ، ركوب (المدمسة) امر مختلف تماما ، وبعد العصر انتهى القحم من خط الحرث الاخير يطلب المساعدة من خضراء كي تفك معه العِداد) تشد مع عمها (العداد) على ظهر الحمارة ، كعادته ، القحم مسفر يسوق (السانية) ( يمشي خلف الثيران كأنه البطل المنتصر ، على تعب ذالك اليوم ، وخضراء تقود الشدادة ، متجهين للبيت ، تستقبل الكهلة مسفرة (الحُرآث) وتُدخل (السانية) (السفل) كي ترتاح من التعب ، بعد ان تقدم حلة (مواص) فاخر نظير ما قامت به من جهد طوال ذلك اليوم ، ووضعت امامها (الرفة) والقصب في (المذود) ،
لم ينتهي اليوم بعد تجمع خضراء (القرب )الفارغة وتسرح (تستقي) من البيرتنزح الماء (بالدلو)
وتحمل القربة على ظهرها
وصلت البيت علقت القرب في الوتد بجنب (العابر) وصبتها في الحنفية فوق (الرعش)، وحملت (عطيفها) وقامت (تشّقر) الكعامير ، وبعض (الحطب) اللذي جلبته من مكان بعيد من اطراف ديرة الجماعة الاسبوع الماضي ، اخذت (حظناً) من حطبها ورصته وسط الملة تحت الكانون واشعلت النار ، استخدام (المنفاخ) ضروري كي يساعد على اشعال الحطب ووضعت (الخمرة) و( الكفكيرة ) طرف الملة ، القحم مسفر يحتاج فنجان الكيف بعد اداء الصلاة المغرب مع الجماعة ، حلة العشاء تطبخ على نار هادئة فوق الطباخة ذات الفتايل البالية (العيش ينخط ) والجميع يترقب وينتظر العشاء ، نزولا عند رغبة القحم مسفر نبغي عشانا عيش (تورة) ، وسمن وحقينه ، عيون متوجه للحلة ، ياترى من، من الاطفال سيفوز هذا المساء بلحسة المسوط ؟ ، العشاء غالبا يكون بعد المغرب مباشرة ، الحمد لله الجميع تعشى نكهة (الكداد) في اسفل (التوة) لذيذه ، كل هذا المشهد على ضوء الفانوس الخافت ،يرتفع صوت الحق ، الله اكبر ، الله اكبر ، معلنا اذان العشاء خرج القحم مسفر من بيته ملبيا للنداء ، وبعد الصلاة يعود من المسجد والجميع في سبات عميق ، يغلق الابواب ويطفي الفانوس بنفخة واحدة ، تخرج معها من بين اضلاعه تعب ذالك اليوم ، ويردد كلمته المشهورة اللي ستر اليوم يستر بكره ، ينام القحم مسفر وقد نام الجميع على وسائد خالية من الهموم في انتظار ، فجر يوم جديد لممارسة نفس الروتين .
1 comment
1 ping
ابويوسف المربع
11/09/2020 at 2:10 ص[3] Link to this comment
يحيى مبدع في شتى المجالات
فنا وشعرا ونثرا سلمت يمينك ابا عبدالعزيز لقد اسعدتنا وعدتنا الى الزمن الجميل رغم التعب الاان الراحة النفسية تعتلج داخلهم.