صفة الرحمة من صفات الحقِّ جلَّ جلاله ، وقد وهب الله تجلّي هذا الاسم العظيم على مخلوقاته من إنس وجنّ وبهائم ، ونرى هذه الرحمة تتجلى في قلب الوالدين على أبنائهم ولكن قد يكونا هذين الأبوين قاسيان على غير أبنائهم فقصرت الرحمة في قلوبهم على أبنائهم فقط فهي رحمة نسبية ، وكذلك نرى الأسود وبقية الحيوانات في غاباتها تحنو على أبنائها وتداعبهم وتحنّ عليهم وترحمهم ولكن تفترس غير أبنائها افتراساً ، وأما الرحمة المطلقة فلم يهبها الله تعالى إلا لرسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك في قوله تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) هذه الرحمة مطلقة لأنه صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى طاقة رحمانية عظيمة تستوعب جميع مخلوقات الله وكلمة : ( العالمين ) هي جميع الخلائق وليس كما أفهمونا الإنس والجن فقط هذه الرحمة هي لكلِّ ما هو موجود في العالمين وإلا لقال تحديداً وما أرسلناك إلا للإنس والجن .. كما يدعون أو كما يفهمون ولا عتب على من قال هذا لأنَّ للفهم حدود وهذا ما فهمه من الآية .
وقد قرأنا بأنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمع أنين جذع النخلة في منبره الشريف ، وجاءته الشجرة تمشي على جذورها لتظلله ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة وجاءه الجمل يشتكي صاحبه ، كلِّ هذه آيات تبين بأنَّ رسول الله رحمة للعالمين .
وهناك أيضاً رحمة أخرى اختص بها الحق رسوله وهي ممزوجة بالرأفة وهي خاصة للمؤمنين فقال : ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) .
هذه الرحمة المطلقة حصرياً ممنوحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك تتوجه قلوب المؤمنين إليه بالحب والامتثال لما يقول وقد أمرنا الله تعالى بأمر ابتدأ به بنفسه فقال : ( إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) هذا أمر إلهي وكأن الله تعالى يقول لنا من أراد رحمتي فليصلي على النبي الأكرم فهو صلى الله عليه أكرم خلق الله على الله فالصلاة على النبي هي مفتاح وطلب استدرار الرحمة .
ولأنَّ سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو خاتم المرسلين وليس بعده وحيٌّ من السماء فقد ترك لنا الحقُّ جلَّ جلاله مفتاح استفتاح رحمته بالصلاة على أحبِّ خلقه إليه وأقربهم منه ألا وهي الصلاة على النبيّ الأميّ ولكي يفهم المؤمنون عظم وقدر هذه الصلاة أنزل فيها آية تتلى إلى قيام الساعة : ( إنَّ الله وملائكته يصلون على النبيّ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) وهذا سرّ من أسرار الصلاة على النبيّ الأكرم من شرح الله قلبه لفهمها فقد امتلك مفتاح رحمة الله تعالى بكثرة الصلاة على النبيّ ، وإن قال لي قائل : وهل يسمعني رسول الله ؟ نقول نعم يسمعك .. وقد ورد في الصحيح عنه صلى الله عليه في الحديث المشهور : " عن ابن مسعود عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: (إن لله ملائكة سيَّاحين يبلغوني من أمتي السلام).
ثمَّ إن الله تعالى جاء بآية أخرى فيها تقريع ولفت انتباه بأن نعرف من هو رسولنا فقال : ( أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ) وفي اللغة العربية يتم استخدام كلمة : أَمْ للتقريع وليس للاستفهام وأما مراد الله تعالى من الآية هو أنه واجب على كل من أسلم واتبع الرسول أن يعرف عظمة رسوله والإمكانيات التي منحها الله له إلى أن تقوم الساعة ، ثم قال : (فهم له منكرون ) وهم تعود على أول الكلام وهم المسلمون المؤمنون به لذلك يكون المعنى للإنكار هو : كلُّ من ينكر المعرفة بعظمة وفضل الرسول ويظن بأنه مجرد بشر ومات فلن يعود وبال هذا الاعتقاد إلا عليه ويتحمل مسؤولية اعتقاده في الآخرة عندما يلقى رسول الله ويرى الحقيقة بأمِّ عينيه ويسمع بأذنيه من هو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد جاء بالحديث الطويل عن الموقف يوم القيامة بقيام المؤمنين بالذهاب إلى أبونا آدم ليشفع لنا ببدء يوم الحساب فيرفض ويقول اذهبوا إلى نوح وهكذا كل نبي يرسلهم إلى من يليه حتى يصلون إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقول : أنا لها ... أنا لها فيسجد بين يدي الجبار ويحمده بمحامد فيقول الحق جلَّ جلاله : ارفع رأسك يا محمد وسل تعطه وشفع تشفّع ......
هناك تتجلى الحقيقة المحمدية فمن لم يعرفها في دنياه وأنكر حقيقته فهو المُنكَر يوم القيامة .
نحن في هذا الزمان مقصرون في فهم وشرح آيات الحق لأننا نقرأ كتاب الله من أجل الحسنات نقرأ بسرعة لنختم الختمة ونشعر بالسعادة وهذا لا ضير فيه ولكن أين التدبّر والتفكر والفهم ؟؟؟؟
ونحن الآن في الزمن الصعب مع هذه الجائحة التي عمّت الكرة الأرضيّة ببلائها وهي طاقة سلبية وتحتاج إلى طاقة إيجابية لردعها ( إضافة إلى الاحترازات التوعوية والطبية ) نحتاج إلى طاقة إيجابية عظيمة لطرد هذه الطاقة السلبية التي عمّت البلاد وأضرَّت بالعباد ، وليس هناك طاقة إيجابية أقوى من الصلاة على رسول الله ، ولكن ليس مرة واحدة أو كلما ذُكر أمامنا بل أن نقوم بتحديد عدد معيّن بوقت معيّن تكون لنا ورداً يومياً نستمطر بها رحمة الله تعالى وقال العلماء أقّلُّ الكثير ثلاثة آلاف مرة وهناك صيغة سهلة قصيرة للصلاة على النبي وهي : اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وسلم ...
جعلنا الله وإياكم ممن آمن بالله ورسوله وتعلق قلبه بهما فمن تعلق قلبه بشيء فإنه لا ينفك يذكره .
قال أحد المؤمنين المحبين يخاطب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
رسول الله ضاق بنا الفضاءُ
وجلَّ الخطبُ وانقطع الإخاءُ
وجاهُكَ يارسولَ الله جاهٌ
رفيعٌ ما لرفعته انتهاءُ
قرأنا في الضحى فلسوف تُعطى
فأسرّنا هذا العطاءُ ........
بقلم 🖋️ البتول جمال التركي
3 comments
3 pings
خالد ز
28/08/2020 at 10:28 م[3] Link to this comment
هذا ما عودتنا عليه هذه الأنامل الجميله والفكر الراقي .
شكرا من الاعماق وحفظك المولى .
عبدالله
29/08/2020 at 4:46 ص[3] Link to this comment
اللهم صل وسلم على رسول الله محمد صلالله عليه وسلم
بعدد ماذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون
سلوى تركي
29/08/2020 at 8:54 ص[3] Link to this comment
اللهم صلي وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسلم يدك على المقال الرائع