لا يوجد في هذا الكون قدرات مطلقة ولا إمكانيات مطلقة ولا صفات مطلقة ولا واجبات مطلقة ولا مشاعر مطلقة ولا نجاح مطلق ولا فشل مطلق ، والإنسان من ضمن من يخضع لهذا القانون وهو قانون النسبية وقانون التغيير لأنًّ القدرة المطلقة وما يتبعها هي من صفات الحق جلًّ جلاله .
لذلك بناء على هذا نقول أيضاً لا يوجد في الدنيا مخلوق يعمل لوحده منفرداً بلا شريك ، وكلُّ ما في هذا الكون يعمل من خلال الزوجية ومن خلال حركتهما تتولد الحياة وعناصر هذه الحركة هي المزيج بين المادة والروح والتوازن بينهما ليشكلا قانون الحركة والتكاثر والعمران أي حركة الحياة بشكل عام ، وبما أنَّ المخلوقات خاضعين لقانون التغيّر الذي يكون غالباً غير مستقر لأنه عند نقطة معينة قد يتحول هذا التوافق وهذا التعاون إلى تنافر وتناقض لأنه خاضع لقانون الفناء ولكلِّ مخلوق قدره في كتاب معلوم .
لقد أطلتُ في هذه المقدمة لكي أقوم بتحليل ظاهرة اجتماعية أصبحت تهدد بالتفكك الأسري في مجتمعاتنا الإسلامية المترابطة ، وقد لاحظنا عموماً بأنَّ التفكك الأسري قد بدأ مع دخول الجوال الذكي للبيوت وأصبح الطفل في بيوتنا إذا بلغ سن الثالثة من العمر يفرح به أبواه لأنه يستطيع التعامل مع الجوال ولا يدركون أنه من أخطر عوامل التفكك الأسري ( في دراسة لقسم الأبحاث النفسية والتربوية في أمريكا قالوا ناصحين الآباء بأن يمنعون عن أطفالهم جميع الأجهزة الإلكترونية جوالات أو آيباد أو ألعاب إلكترونية قبل بلوغ الطفل سن الثانية عشر لأنَّ الطفل يكون قد اكتمل إدراكه وبدأ يختار اهتماماته وأولوياته ) ونحن نضيف على مركز الأبحاث بأنه يكون الطفل قد تشرّب من أسرته الدفء والحنان والانتماء الأسري والقيّم الأخلاقية والمبادئ الصحيحة ، ومما لا شكَّ فيه بأنَّ هذه الأجهزة خاضعة لجهات تتحكم في (نوعية ) المواضيع وأفلام ومن لديه بصيرة يستشعر بها هذه النوعية هي أنها تبث طاقة سلبية بشكل دائم والهدف منها زرع الخوف في قلوب الأطفال والكبار أيضاً لأنَّ أغلب أفلام الكرتون المعروضة للأطفال نراها تقدم قوى الشر ( الطاقة السلبية ) هي التي تسيطر على الأحداث في الفيلم أو المسلسل وهم مجموعة كبيرة ثم يخترعون بطلاً واحد فقط يقوم بمحاربة هذا الشر ، والهدف واضح هو زرع مفهوم بأساسيات تفكير الطفل بأنَّ الطاقة السلبية هي التي تسيطر على العالم وأن الخير ضعيف وقليل حتى ينشأ الطفل وهو معتاد على وجود أعمال الشر على أنها شيء طبيعي ولا يستنكره لأنه قد تمَّ زرع هذا في مقدمة إدراكه ومشاعره وعواطفه ، والأبوين مشغولين عن أطفالهم بجوالاتهم وأعمالهم ومشاغلهم وعلاقاتهم الاجتماعية وهم لا يشعرون بضياع فلذات أكبادهم وهروبهم من العلاقة الأسرية الترابطية معهم ، ومهما حصل فعلى الأبوين المسؤولية كاملة في تفكك الأسرة ونصيحتي لهما بأنهما لا ييأسوا من روح الله فمازال بإمكانهم إنقاذ أطفالهم أو حتى من كبر منهم وأرجو ألا يعدمون الوسائل للتواصل ثانية مع أطفالهم والتقرب منهم وإبعاد الأجهزة التي تدمر طفولته وتميت مشاعره وعواطفه ،، هناك ألف وسيلة وطريقة لجذب الأطفال إلى حضن الأبوين .
يجب إعادة تأهيل مشاعر الأطفال وإيقاظ الترابط الروحي في الأسرة قبل أن يصبح أفرادها في عزلة نفسية خطيرة فإن ناقوس الخطر بدأ قرعه لأنَّ القيم الأخلاقية العامة والذوق العام بدأ ينحسر من الجيل القادم ومثال على ذلك ما نسمعه بالشارع من شتائم بين قائدي السيارات بسبب الطريق وكذلك الأسلوب الرخيص لمعظم مقدمي أدوات التواصل واستخدام ألفاظ تخدش الحياء العام وتنزل بالسامع إلى قاع الحضارة والإنسانية ... إلحقوا أطفالكم قبل أن تفقدونهم .