يشكل الدين أبعادا أخلاقية، وثقافية، واجتماعية، وتشريعية (قانون وأحكام)، وتأمينية (ضمان)، لحياة البشر أصحاب التفكير والعقول (حيوان بعقل مدرك) ودابة متحركة على الأرض على الله رزقها، وكلما آتاها الله من المعرفة والعلم والحصافة والنباهة لطلب هذا الرزق فهي تدب بجهد النمل وبالمحاولة والخطا واعادة التجربة وتحسينها وتغيير المقادير والأقدار المقدرة مسبقًا وتحقيق المعادلة الناجعة التي تصل فيها إلى ما شاء الله أن تصل.
نتفق جميعنا برنا وفاجرنا، مسلمنا وكافرنا، موحدنا وملحدنا على قوة الطبيعة واتساعها وكثرة ما فيها مما اكتشفناه وتوصلنا إليه(كُشف لنا)، وما لم يتم معرفته والكشف عنه سواء في الأرض او السماء أو الكون وما حوى، وعلى أن هذا الشيء(الطبيعه) طبيعيا كشفناه لتوفره لنا دون جهد منا، ولكل مجتهد في كشفه نصيب (كما يقال)، ورغم أن الطبيعة مجالا مفتوحا للبحث والكشف والتحليل، لكنها تراوغنا أحيانا فنفلت الزمام لتطويعها حسب ما نريد، ونحن نتعامل مع طبيعة لا تعني معرفتنا في بعض منها قدرتنا على الإلمام أو التحكم بها فنقول ليست طبيعية، إنها متغيره وتعاملنا باحتقار، نريد عسفها فتأبى إلا أن تعسفنا! فلماذا لم نفهمها ونتعامل معها بالحسنى ونجلس معها جلسة صلح منصفه ونعرف أين خطأ الطبيعة علينا؟ وأين خطأ ما نقوم به من أفعال في حقها؟
إن طبعنا نحن بني البشر البحث المستمر والدؤوب ولا ولن ترضى الاستسلام بسهولة، وفي نفس الوقت عجول، هنا خلل في صفة العجلة التي جعلتنا لا نتريث ولو قليلا، إن استعجلنا أقدارنا فهي اسرع منا الينا، وان تبصرنا فنحن المسيطرون، وما نحن مسيطرين إلا بالأناة، فلنتأنى قليلا لنجمع البراهين والحجج أمام جلسة العدالة.
هو الاستعجال الذي جعلنا لا نعرف الطبيعة ولا نعرف من نتعامل معه لتكتمل الحجج والبراهين الدامغة ضد هذا الخصم المتغير الذي لم نفهمه ونحسن التعامل معه لنعيش معه في رفاه وسلام وامن وأمان، هناك سنن كونية ومعادلات ومقادير معينة ونحن نستعين بوسائل وأدوات طوعناها وطورناها إما لمساعدتنا في البحث والاستكشاف أو للاستعمال والرفاه.
إذا اختلت الموازين والمقادير والتقديرات كانت النتائج غير صحيحة باستثناء بعض الشذوذ الذي قد يخرج عن القاعدة ويكون اكتشافه عن طريق الصدفة، وكلنا نعرف في الفيزياء أو الكيمياء أهمية المقادير اللازمة من كل ماده والوقت اللازم لعمل أو انتاج مركّب آخر، أو لإحداث شيء ما.
لكن ليس بإمكاننا ايجاد شيء من لا شيء فنحن مهما بلغ علمنا ليس إلا اجراء خلط أو تعديل أو تصنيع شيء موجود لنا، وذكاؤنا وعقولنا تقوم بتطويعه حسب ما نرغب، ولم ناتي بجديد أو نوجد معدوم، وغاية ما توصلنا اليه هو التصنيع واستغلال الطبيعة وما وجد فيها، وعند مخالفتنا للنسق الطبيعي (الأقدار) حسب السنن الكونية ينتج الخطأ والخلل وتختل النتيجة، فلماذا يا ترى؟
نحن نتحكم بما هو موجود هيأته الطبيعة لنا لكن لا نستطيع ان نتحكم بما لا يوجد، وإذا خالفنا الطبيعة والسنن الكونية تكون العاقبة سيئة أو ليست كما نريد، إذا لابد من الرضوخ للطبيعة التي أوجدها الله وجعل كل شيء بقدر وعدم التجاوز، وهذا ما جاءت به الأديان السماوية وما شرعه الله وما أراد الله للبشر ولحياتهم ان تكون.
الطبيعة والكون لا يتحكم فيه الا من خلقه، لانه هو الوحيد القادر عليه، وما أنت أيها البشر الا مجرد دابة خلقت بعقل لتكون مخيره في سلوك أي طريق تشاء، فالمتضادات كثيرة وواسعة وقد تكون بلا نهاية، أولها الخير والشر، والصالح والطالح، المفيد والضار، المرض والشفاء، الغرق أو النجاة، الحياة أو الموت......
عندما تحدث كارثة أو جائحة طبيعية أو بفعل خاطئ من مخلوق ويبلغ الضرر للمدى البعيد!فإن البشر يلجأون للدين طلبا للنجاة مما حل بهم، انه اللجوء للفطرة التي فُطر الناس عليها، وان طلب النجاة هذا وسيلة فقط من ضمن وسائل السلامة التي لابد من الأخذ بها احترامًا لما قدره الله، وليست النجاة شرطًا إذا حلّ قضاء، إن جميع الناس بعقائدهم المختلفة والمسلمين يدركون ذلك ويعتبرون الدعاء والابتهال طوق نجاة ايماني، بل ومن المسلمات والتلقائية والواجب الحرص عليه، فقد يخلق الله أسبابا للإنقاذ فتتهيأ، أو يلهم من حلت به الجائحة لسبب يؤجل القضاء، وإن لم يؤجل القضاء فهو سبب لحسن المآل والنهاية.
عبدالرحمن عون