سؤال يطرح نفسه : هل الإنسان مخلوق للسعادة أم للشقاء ؟ لن يستطيع الإنسان أن يعرف نفسه في أي تصنيف قبل أن يعرف (هويّته ) الحقيقية وهي قمة الوعي لديه وتقبع خلف الفكر والذاكرة النفسية التي خُصصت لحركة الحياة ، إنَّ الهويّة الحقيقية للإنسان تقع خلف أستار فكره الذي يقرر فيه القيام بمناشط الحركة الحياتية المعتادة مثل العمل والتعلم ومشاعر الجوع والشبع والعطش والارتواء ، تقع في الخلف تماماً وراء هذا الفكر وتسبح مع الروح وأما الطريق للوصول إليها فيكون بالبحث عن السلام والمحبة والقناعة بما هو مقدر من أرزاق وأقدار ، هذا هو الطريق الذي يوصل الإنسان إلى حقيقة هويته لمعرفة سعادته المطلقة التي تحافظ على وتيرتها لأنها مرافقة للروح ولكنها محجوبة بالشهوات ومتطلبات الحياة الدنيا وبالبحث وراء رفاهية العيش لأنَّ هذه المتطلبات هي من تدفع به إلى الشقاء من أجل الحصول عليها ولأنَّ معرفة الإنسان لهويته الحقيقية تسقط من حساباتها كلَّ مسببات الشقاء الذي يُلزم الإنسان به نفسه وباختياره ورضاه .
وإن الوصول إلى نور هذه الهوية هو بداية سطوع شمس الحقيقة بداخله التي تمحق ظلمات الشّك وتطفئ نيران الغضب وتسحق الحسد والحقد والغرور وتميت الخوف من تقلبات القدر والظروف فيصبح عنده سيّان الفقر والغنى والفقد والوجود والورود والصدود وبمجرد أن تختفي وتزول عنه صفات الشقاء تظهر عليه أنوار شمس المعرفة فيعرف ضمناً بأنه لم يُخلق لإشباع رغبات نفسه فقط بل لسيادة هذا الكون ووجد لأنه أحد أعمدة هذا الكون التي تتناسق بشكل دقيق لا يفهمه إلا من وصل إلى معرفة هويته الحقيقية وهذا الوصول لا يتم إلا بالخلوة لأنّ لتحقيق الصفاء الذهني وإزاحة جميع الستائر التي تحجب صورة الهوية ، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى طريق الوصول إلى معرفة الله هو الوصول إلى معرفة الهوية الحقيقية للذات فقال : " من عرف نفسه عرف ربّه " ...