حدث في زمننا هذا أن طفلا بلع قطعة نقود معدنية تسللت عبر مجرى الطعام حتى استقرت في مكان ما داخل معدته , عندما أخبر أهله هرعوا به للمركز الصحي القريب فاستنفر الطاقم الطبي بالمركز وحاولوا أن يخرجوا تلك القطعة أو أن يفكوا لغز اختفائها على الأقل ولم يفلحوا , فأحالوه للمستشفى بتحويل عاجل وهناك دخل الطفل الصامت للطوارئ وأخذ الطبيب المناوب يناوب عليه الإجراءات الطبية السريعة ؛ فقرر له أشعة تلفزيونية وتحاليل دم وإبرة ضد التسمم ومغذية وتركه تحت الملاحظة حتى تظهر نتيجة الأشعة .
ظهرت النتيجة أخيرا موضحة أن القطعة المعدنية قابعة في المعدة وضيفة ثقيلة عليها وتحتاج إلى عدة أيام حتى تغادر المعدة .. فعلا بعد عدة أيام غادرت القطعة الثقيلة جسم الطفل وبات بخير وعافية .
حسنا دعوا هذا الطفل وقطعته المعدنية وزمنه كله رف من رفوف الذاكرة القريبة لنتذكره , وعودوا معي إلى ماقبل حكم الملك عبدالعزيز حين كان الأشراف التابعين للدولة العثمانية يحكمون مكة المكرمة هناك وقعت قصة يكاد العقل ينكرها لغرابتها ولكنها حقيقة ..
حدث أن رجلين شدا رحالهما إلى مكة للبحث عن لقمة عيش وأظن أن ذلك كان في إحدى مواسم الحج فعملوا بجد ومن عرق جبينهم كسبوا ماكسبوا من الجنيهات وكان المكسب يعد مبلغا باهضا آنذاك , وعندما قرروا الخروج من مكة والعودة لديارهم خافوا من أن تبطش بهم سطوة الجند وتنهب ماجمعوه طوال مدة بقائهم فيعودوا بخفي حنين لأهلهم ولا يجدون مايملؤون به الأفواه المفتوحة هناك التي تترقب لقمتهم .
المهم قرر أحدهم أن يتخذ قرارا أكثر الناس تهورا اليوم لن يجرؤ على اتخاذه . لقد قرر أن يبلع كل الجنيهات في بطنه حتى يخفيها عن أعين الباطشين , وبالفعل بلعها وأخبر صديقه بذلك وأوصاه أنه في حال مات قبل أن يصلوا فعليه أن ينبش قبره بعد أن تتحلل الجثة ويأخذ الجنيهات ويعطيها لأهله ويأخذ حصته منها وان عاش فسيعطيه نقوده ووصلا بالفعل لديارهم وأعطاه نقوده .
ياسادة
أتشْتَمون بين الحدثين رائحة الرخاء الزكية ورائحة الفقر الكريهة ؟
حسنا
ألا تشتمون عبق الأمان ؟ ورائحة الخوف النتنة ؟ أنا أشتمها ولكنني أشتم رائحة غريبة تشبه رائحة الدم الذي يتقاطر من بين أصابع كف الجندي الذي يغدر بعابري السبيل وينهب أموالهم التي اكتسبوها من عرق جبينهم وأتساءل في نفسي أيستحق أن يكون حاميا آنذاك للبطاح المقدسة ؟ اشك في ذلك.
توفيق محمد غنام