بالعودة إلى 1949 وهو العام الذي عقدت فيه اتفاقيات جنيف الأربع بعد حرب عالمية دموية كان ضحيتها المدنيون والأعيان المدنية والتاريخ والمتاحف ودور العبادة وكل ما لم يكن له ارتباط بالشق العسكري وبعد مصادقة الدول على هذه الاتفاقيات، ومروراً إلى العام 1977 والذي انعقدت فيه بروتوكولات تنظيمية وتفسيرية وتكميلية لتطبيق بعض الأحكام فيما يتعلق بالنزاعات الدولية وغير الدولية، ووصولاً إلى عامنا هذا 2018 والقانون الدولي الإنساني الواضح المتقن في أحكامه لا زال حارساً للسلام بين الدول بعضها البعض وبين الدول وماانشق فيها من جماعات وميليشيات داخلية مسلحة.
هنا قد يثار التساؤل عن التكييف القانوني للنزاعات غير الدولية وماهي الاتفاقيات التي تكفلت بهذا الجانب وحيث أن النزاعات غير الدولية راح ضحيتها الكثير من المدنيين مما أصاب جوهر القانون الدولي الإنساني (حماية الضحايا المدنيين أثناء النزاعات المسلحة) لذا نرى أن العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات تكفلت بالحماية في هذا الجانب، وكأساس مشترك في الاتفاقيات الأربع تكفلت المادة (3) المشتركة بالنص على:
"في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كأحد أدنى الأحكام التالية:
1/ الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.
ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأمكان:
(أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب؛
(ب) أخذ الرهائن؛
(ج) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الاخص المعاملة المهينة والخاصة بالكرامة؛
(د) إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.
2/ يجمع الجرحى والمرضى ويعتنى بهم. ويجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر؛ أن تعرض خدماتها على أطراف النزاع.
وعلى أطراف النزاع أن تعمل فوق ذلك، عن طريق اتفاقات خاصة على تنفيذ كل الأحكام الأخرى من هذه الاتفاقية أو بعضها وليس في تطبيق الأحكام المتقدمة ما يؤثر على الوضع القانوني لأطراف النزاع."
هنا ومن خلال هذه المادة يتبين لنا أن هناك معايير يمكن استنباطها للتعريف عن النزاع المسلح غير الدولي، فهل يمكن أن نطلق على النزاع المسلح غير الدولي أنه نزاع في أي اضطراب أمني او حالة شغب أو فوضى؟
وحسب نص المادة هناك حد أدنى من التنظيم يلزم وجوده لتسمى الأطراف الداخلية غير الشرعية أو غير الحكومية، ميليشات أو جماعات مسلحة كأن يكون لها:
- تنظيم إداري تسلسلي معين
- أن يكون لها القدرة على حيازة الأسلحة وخلق النزاع والاستمرار فيه كعامل مهم وهو المدة
- أن يكون لها القدرة على الترهيب والاعتداء والأسر واستخدام الأسلحة وكل ما يمكنه أن يمس الكرامة الإنسانية وعقد الاتفاقيات العسكرية المزعزعة للأمن
وكل ذلك دون ان يؤثر على الوصف القانوني لأطراف النزاع، فتبقى الحكومة هي الشرعية وتبقى الجماعات المسلحة أطرافاً غير دولية.
وهذا يفسر سبب تسمية النزاعات غير الدولية ولماذا لم تسمى نزاعات داخلية والقانون بلا شك يعطينا جواباً واضحاً بعد أن تم تحديد النزاعات الدولية بأنها تنشأ بين الدول أما الجماعات المسلحة والميليشيات فلا يرتقي وصفها القانوني لأن تكون دولة حتى لو تعدى الضرر دولة الجنسية لهذه الجماعة وصولاً إلى دول أخرى ومثال ذلك ما يحصل حالياُ من قبل تنظيم داعش أو جماعة الحوثي باليمن على سبيل المثال وإن كان التحالف الخليجي ممثلاً بعدد من الدول طرفاً في النزاع في مواجهة الميليشية الحوثية استناداً على الحق الشرعي للرئيس الشرعي المنتخب بطلب مساعدة دول مجاورة إلا أن النزاع يبقى غير دولي لأن أحد أطرافه ليس دولة شرعية.
فهل من الممكن أن تطبق أحكام القانون الدولي الإنساني على تنظيم داعش أو على ميليشيات الحوثي كمثال لنزاع غير دولي ؟
الإجابة بلا شك هي نعم فعلى سبيل المثال الجمهورية اليمنية هي أحد الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف وكل ما تم وصفه كمعيار في المادة (3) ينطبق دون أدنى شك على الميليشيات الحوثية.
وتعتبر المادة (3) المشتركة حسب ما أكدته محكمة العدل الدولية في عام 1986 هي الحد الأدني الذي ينبغي أن لاتحيد عنه الأطراف في النزاعات غير الدولية كما تعتبر هذه المادة مفسرة للقانون الدولي الإنساني العرفي بعد أن تكفلت بذلك بثوب فضفاض بتسليط الضوء على بعض الانتهاكات على سبيل المثال لا الحصر وكانت مرجعاً لتحديد معايير الوصف القانوني للجماعات المسلحة غير الدولية.
وبالحديث عن القانون الدولي الإنساني العرفي الدولي تتبين لنا أهمية هذا القانون حيث أن تنظيم النزاعات غير الدولية من ناحية كفالة حق المدنين ليس بذلك التفصيل البين كالذي يكفل حق المدنين في النزاعات الدولية، بالرغم من أنه تم تفصيل الحقوق وعدد من المواد بهذا الشأن في البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 والذي تكفل بالحماية أثناء النزاعات غير الدولية بشكل خاص وشمل في أحكامه الحماية للأطفال والأسرى والجرحى والمرضى ومنكوبي البحار ورجال الدين وعمال الإغاثة والمدنين كما حظر أعمال الإرهاب والاغتصاب والاكراه على الدعارة وخدش الحياء وتجارة الرقيق والسلب.
كذلك عدد آخر من المعاهدات حسب ما ورد في أحد منشورات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في هذا الجانب من بينها البروتوكول الثاني لاتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة 1988 والذي تم تعديله في في عام 1996 والبروتوكولات الأول والثالث والرابع والخامس لاتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية، من المادة الأولى في الاتفاقية حسب التعديل الصادر في عام 2001، واتفاقية حماية الملكية الثقافية في حال نشوب صراع مسلح 1954 والبروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي 1954 بشأن حماية الملكية الثقافية في حال نشوب نزاع مسلح 1999.
استناداً على ذلك هناك حقوق محمية منها ما يتعلق بالمدنيين ومنها ما يتعلق بالممتلكات والأعيان تتكفل الاتفاقيات بحمايتهم بغض النظر عن الصبغة أو الوصف القانوني للنزاع دولياً كان أو غير دولي، فإن لم تشمل ذلك الاتفاقيات والمعاهدات درج ذلك تحت الأعراف الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان والقوانين المحلية .
إبراهيم الدوسري
مستشار قانوني