في هذه الأيام المباركة من كل عام يتوافد ضيوف الرحمن من حجاج بيت الله الحرام من كل فج عميق لأداء مناسك الحج، ملبين وذاكرين اسم الله في أيام معدودات، يلبسون ثياب بيضاء بسيطة موحدة ويسيرون في موكب واحد طوافا حول البيت وفي المسعى وفي عرفة ومزدلفة ومنى
الحج عبادة عظيمة وركن من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلا وفيه تتجلى لدى المسلم خصال شتى كالبذل والصبر ومجاهدة النفس وقوة الإرادة والتحمل فهو يبذل ماله ويفارق أهله ودياره في رحلة لعبادة الله والالتزام بأوامره مما يجعل مشقة هذه العبادة تهون عليه العبادات الأخرى فيجتهد في أدائها كما يجب.
المسلم في رحلته هذه يريد حجا مبرورا ويريد أن يعود كما ولدته أمه نقيا من الذنوب والخطايا بعد أن استشعر لذة الطاعة ومعنى الانقياد في هذا المكان الذي اجتمعت فيه قلوب المسلمين من كل بقاع العالم على اختلاف السنتهم وألوانهم يرددون نفس الكلمات والمعاني في ذكر الله وفي موقف عظيم يذكر بوحدة المسلمين رغم الوهن الذي أصابهم والفرقة والتمزق
للحج في كل مناسكه دلالات ومعان عظيمة ترتبط بالروح قبل أن تكون أعمال مادية ملموسة يؤديها الحاج فعند النظر إلى الحجر الأسود يتذكر المسلم ما تفعله الذنوب والخطايا بقلب الإنسان فالحجر الأسود نزل من الجنة أبيض من اللبن فسودته ذنوب العباد كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم( نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم)
، وعند السعي بين الصفا والمروة يتذكر المسلم قصة هاجر وولدها اسماعيل والتي كانت سببا في تفجر بئر زمزم المباركة، أما يوم الحج الأكبر يوم عرفة فليس هناك أعظم من هذا المشهد حيث تجتمع الحشود المليونية في صعيد واحد متجردين من زينة الدنيا وزخرفها يلبسون ثيابا موحدة بسيطة لا فرق بين غني وفقير ولا رئيس ولا مرؤوس فيتذكر المسلم المنشر والمحشر حين يقف الخلق كلهم على صعيد واحد، وعند رمي الجمرات يعلن المسلم حربه على الشيطان ويتذكر كيف تصدى الشيطان لإبراهيم عليه السلام يريد منعه من الطاعة الكبرى والتضحية بابنه فتصدى له أبو الأنبياء ورجمه بالحجارة في مواضع الجمرات الثلاث الأمر الذي انتهى بتفضل الله علينا بالفداء وتقديم الأضاحي لتظل سنة قائمة لكل المسلمين في يوم عيد الأضحى
الحج شعيرة عظيمة مناسكها لها دلالات عظيمة لذلك يتقاطر الحجاج من كل بقاع الأرض لأدائها وها هي مملكتنا الحبيبة تواصل هذه الأيام استقبال ضيوف الرحمن وقد جندت من طاقتها البشرية ما يكفي لاستقبالهم وضيافتهم، وأعدت كافة المشاريع والخدمات التي تنظم هذا الحج وتكفل الراحة والأمن للحجاج من لحظة وصولهم حتى مغادرتهم بمهنية واحترافية عالية فإدارة هذه الحشود المليونية والتي تتحرك في وقت واحد ولها لغات مختلفة تعد مهمة في غاية الصعوبة، ولكن المملكة سخرت الميزانيات الضخمة لتوسيع المشاعر المقدسة وأدخلت التكنولوجيا الحديثة في خدمة الحجاج ووفرت كافة أنواع الرعاية لهم ضمن جهود مضنية وغير مسبوقة تقوم بها المملكة حكومة وشعبا وبرعاية وتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده حفظهما الله.
أتمنى لجميع الحجاج الراحة والسلامة وحج مبرور وسعي مشكور ، تقبل الله منا ومن جميع المسلمين صالح الأعمال.