انتشرت ثقافة التحكيم كوسيلة بديلة للقضاء العادي لحل المنازعات منذ اكثر من نصف قرن من الزمان وتوسعت رقعتة ونجحت الالية التي تحكمة في ابراز مزاياه وخصائصة الجوهرية الامر الذي جعل كبريات الشركات التجارية والاستثمارية تهفو اليه ملتمسة حل نزاعاتها عبره نظرا لسرعتة القصوي في التسوية، وبالرغم من مزايا التحكيم وانتشارة في المجالات الاخري الا انه لم يكن بذات الاهمية بالنسبة لمجال الرياضة بشكل عام حيث اقتصر الامربداية علي لجان ذات طبيعة قضائية تم تشكيلها داخل الاتحادات الدولية للالعاب المختلفه تستأنف قراراتها امام محكمة فريدة من نوعها أنشأتها اللجنة الاولمبية الدولية منذ ربع قرن من الزمان في العام 1984 تسمي محكمة التحكيم الرياضي (كاس) وهي هيئة شبة قضائية متخصصة في النزاعات المتعلقة بالرياضة لها القدرة والسلطة في فض النزاعات الرياضية الدولية من خلال وسيلة مرنة وغير مكلفة وتحظي قرراتها بالاحترام الواجب من كل المؤسسات والهيئات الرياضية بما فيها اللجنة الاولمبية نفسها والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ويوجد مقرها الرئيسي في مدينة لوزان بسويسرا وتوجد لها مقرات اخري اقدمها في مدينة نييورك بالولايات المتحدة الامريكية ومقر باستراليا في مدينة سدني كما تم افتتاح مقر حديث لها في مدينة ابوظبي بالامارات العربية المتحدة فضلا عن انشاء مقر مؤقت لها في المدن التي تستضيف الالعاب الاولمبية خلال فترة إقامة الالعاب .ولعل الفكرة الرئسية لانشائها حسب الموقع الرسمي للمحكمة – ايجاد هيئة قضائية للتسوية المباشرة وغير المباشرة للقضايا المرتبطة بالرياضة وذلك من خلال سلطة متخصصة قادرة علي البت في النزاعات الرياضية الدولية عبر مسطرة مرنة وسريعة لاخراج الرياضة من عالم اللاقانون لعالم القانون ولعل هذه المحكمة تستند في قضاءها علي قواعد سابقة الوضع ميزتها التجرد والعموم والديمومة لعل قراريين صدرا في الاعوام (1992-1995) هزا الثوابت التقليدية ونقلا الرياضة من وضعية الاداة التي تتقاذفها الاندية الرياضية الي وضعية الطرف المتعاقد الذي يتمتع بحقوق مساوية علي الاقل لحقوق الطرف الاخر ، القرار الاول (القرار الذي اصدرتة المحكمة الاوربية بخصوص قضية اللاعب البلجيكي (جاك مارك بوسمان ) وهو لاعب كرة قدم محترف انتهي عقدة مع الفريق البلجيكي واراد الانتقال الي فريق دانكراك الفرنسي) والقرار الثاني هو القرار الذي اصدرتة المحكمة الفيدرالية السويسرية في قضية(غونديل) الذي اوقعت علية عقوبة تأديبية بعد ثبوت تعاطي مادة منشطة ، فلعل قبل ان تقول المحكمة الفدرالية السويسرية كلمتها بخصوص الهيكلة التي كانت عليها محكمة التحكيم (كاس) وهو ضرورة فك الارتباط المالي والاداري للجنة الاولمبية الدولية علي المحكمة(كاس) وضرورة تمتعها بالاستقلالية التامة من عباءة اللجنة الاولمبية الدولية فقد انعقد لهذا الغرض مؤتمر باريس في العام 1994 للتحكيم في مجال الرياضة وتم تكوين المجلس الدولي للتحكيم الرياضي من (19) عضوا اثنان منهم من الدول العربية ليكون هذا المجلس مشرفا علي محكمة التحكيم الرياضي (كاس) بدلا عن اللجنة الاولمبية والتي يمكن ان تكون خصما محتملا امام المحكمة نفسها وبذلك تم ضمان مبدأ الاستقلالية التام للمحكمة .وصل عدد المحكميين بالمحكمة الرياضية الدولية حوالي (300)محكم منهم سبعة محكمين من الدول العربية بالاضافة لعدد (52) وسيطا منهم ثلاثة من الدول العربية وقد اناط اجتماع باريس من اللجنة الاولمبية الدولية ضرورة حث الدول المختلفة علي ضرورة انشاء هيئات اومراكز او محاكم تحكيم رياضية بمقار اللجان الاولمبية الوطنية لتسوية النزاعات في الاتحادات المختلفة للالعاب بمافيها لعبة كرة القدم .
في ابريل من عام 2016 اعلن الامير عبد اللة بن مساعد الرئيس العام لرعاية الشباب ورئيس اللجنة الولمبية السعودية انتهاء عمل اللجنة التأسيسية لمركز التحكيم الرياضي السعودي والتي كان يترأس اعمالها المحام السعودي البارز( محمد الضبعان) وتم عقد عدد من الورش لمناقشة مسودة النظام الاساسي للمركز والقواعد الاجرائية التي تحكم عملة بحضور ممثليين عن كافة اتحادات اللعبات الاخري والرياضيين والاعلاميين والقانونيين وذلك لابداء اي ملاحظات عليها تمهيدا للمصادقة عليها وتمت المصادقة من بعد ذلك علي النظام الاساسي والقواعد الاجرائية وتم الافتتاح الرسمي بتاريخ 24/10/2017 بمقر اللجنة الاولمبية بمجمع الامير فيصل بن فهد الاولمبي بالرياض تعد المملكة العربية السعودية احد اهم دولة شرق اوسطية تطبق القوانين الرياضية بشكل صارم علي الجميع دون محاباة او خوف من اي كائن ولعل هذا الامر انعكس علي الرياضة بالمملكة واصبح لها اقوي دوري بالشرق الاوسط ومن الناحية القانونية يعد مركز التحكيم الرياضي السعودي مؤسسة ذات شخصية اعتبارية مستقلة ومتوافقة مع محكمة التحكيم الرياضي (كاس) ولعل مركز التحكيم الرياضي السعودي نموذجا يحتذي بة من حيث تطابق نظامة الاساسي والقواعد الاجرائية والموضوعية التي تحكم عملة كمرجعية نهائية لفض النزاعات الرياضية عن طريق التحكيم أو الوساطة ويتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والاداري حسب نص المادة الثانية من النظام الاساسي وهو بلاشك يتوافق مع الميثاق الاولمبي والانظمة الاساسية للاتحادات الدولية المختلفة للالعاب ولوائح ونظام محكمة التحكيم الرياضي ، ولعل اهم السمات الواردة في نظامة الاساسي تلك المبادي التي تحكم أعمال المركز بشكل تتفوق به المملكة علي العديد من دول المنطقة التي مازالت تسمح لقضائها الوطني بالفصل في القضايا ذات الطبيعة الرياضية بالرغم من وجود محاكم تحكيم رياضية وطنية عند تلك البلدان فالنظام الاساسي السعودي جعل المرجعية النهائية للفصل في المنازعات الرياضية بعيدا عن القضاء لهذا المركز وحدد المبادي التي تحكم عملة بشكل واضح وجلي ولعل اهم المبادي التي اشارت لها المادة (5) مبدأ الاستقلالية والحياد فهذا المركز مستقل ماليا واداريا حتي من اللجنة الاولمبية الوطنية السعودية وهو الجهة العليا والحصرية للفصل في المنازعات الرياضية ذات الصلة بالرياضة عن طريق التحكيم او الواسطة ويتمثل هذا المبدأ في ضرورة احترام حقوق الدفاع ومبدأ الوجاهية وهذا الامر يتيح لكل اطراف المنازعة التحكيمية كافة الضمانات بشكل متساوي ومحايد وان عبء الاثبات يقع علي عاتق الجهة المدعية وتفصل المحكمة بينهم من واقع الحجج المقدمة ومستنداتهم ووفقا للقواعد الموضوعية الواردة في الميثاق الاولمبي والانظمة الاساسية للاتحادات ذات الصلة بالمنازعة ووفقا لنظام ولوائح محكمة التحكيم الرياضي (كاس) وكذلك عدالة الاجراءات من خلال ضمان التمثيل العادل لكل طرف والمساواة في التعامل بين الخصوم ولعل اهم مايميز النظام الاساسي لمركز التحكيم الرياضي السعودي هو النص في المادة (39) منة علي الزامة لكافة الهيئات الرياضية بالمملكة العربية السعودية بتعديل نظمها الاساسية بالصورة التي تسمح باللجو الي مركز التحكيم واعتبارة الجهة العليا او الحصرية للفصل في المنازعات الرياضية او ذات الصلة بالرياضة وفي هذا تظهر عبقرية المشرع السعودي من الاستفادة من تجارب الدول الاخري فعلي سبيل المثال في تونس لايوجد هذا النص الملزم لكل الهيئات والاندية فبعضهم التزم والبعض الاخر رفض وكانت المحصلة تكدث القضايا هذا النص ملزم للكافة ويمنع بالتالي تراكم القضايا.
ماذهب اليه المشرع السعودي هو عدم جعل احكام التحكيم الرياضي تحت ولاية القضاء من بطلان ونحوه إذ أن ذلك الامر يؤدي ويقود حتما لاطالة أمد النزاع بالتالي يخضع الطعن في احكام مركز التحكيم الرياضي السعودي الي منطق خاص به وهو ذات التوجه الدولي في التملص من المعايير التقليدية التي ترتكن فقط لدعوي الابطال او البطلان فجاء النص في النظام الاساسي والقواعد الاجرائية واضحا بأن هنالك ثلاثة غرف مختصة بالفصل في التحكيم بالمركز الغرفة الاولي هي غرفة التحكيم العادي وينعقد لها الاختصاص في الفصل في كل المنازعات ذات الطبيعة العقدية التي يوجد بها شرط تحكيم يقضي بضرورة اللجؤ للمركز وهنالك غرفة تحكيم استئنافية تفصل في الاستئنافات ضد القرارات الصادرة من الهيئات الرياضية بعد استنفاد كافة الوسائل القانونية الداخلية ماعدا القرارات الخاصة بكرة القدم وهنالك غرفة تحكيم خاصة بكرة القدم وهي جهة المختصة في المركز بالفصل في كافة الاستئنافات ضد القرارات الصادرة من الاتحاد السعودي لكرة القدم بعد استنفاد كافة الوسائل القانونية الداخلية وفقا للانظمة واللوائح وبالتالي اخضع النظام الاساسي لمنطق الرقابة المعيارية العالمية التي تلاحق الحداثة وتسعي من اجل التطوير وهاهي المملكة تخطو بثبات نحو التقدم والازدهار بفضل قيادتها الحكيمة .
بقلم الدكتور/ كمال محمد الامين عبد السلام
محام -مستشار قانوني -محكم – بالسودان