كلما عاد فبراير المشؤوم تعود إلى الذاكرة وقائع تفكيك دولتين عربيتين هما اليمن وليبيا. هل كان علي عبدالله صالح ومعمر القذافي من الإجرام بحيث استحقا هذه الطريقة من القتل وإخفاء قبريهما وتشرذم بلديهما وتشريد شعبيهما وتبديد ثروات وقتل أرواح ثم الجهاز تماما على الدولة .
يقول ماكس فيبر عالم الاجتماع الفرنسي مستكملا ما قدمه العلامة ابن خلدون بأن الدولة هي أرقى صيغ العيش ويجب بقاءها لديمومة الحياة والتعايش والعمران والمدنية.
انظر عزيزي القارئ بمنظار محايد لصورة ليبيا واليمن قبل وبعد مثلما تقدم عيادات التجميل دعايتها في إصلاح ما أفسده الدهر قبل وبعد.
أنا عشت في اليمن سنوات وكذلك عرفت ليبيا جيدا كانت الحياة فيهنا تتبض وتنساب الناس إلى شؤونها بكل أمن ودعة وتطلع إلى شيء من الأمل في أن يكون الغد أجمل.
صحيح أن حكم الرجلين لم يكن ورديا ولم يقولا يوما أنهما يسعيان إلى تحويل صنعاء وبنغازي إلى كوبنهاغن أو أوسلوا لكن كانت هناك مدارس وجامعات ومعاهد مجانية يذهب إليهم التلاميذ ويعودون إلى بيوتهم سالمين بلا خطف أو تنكيل أو تجهيل. كان الموظف يتقاضى راتبه في نهاية كل شهر والكهرباء والماء وحتى فاتورة الهاتف المنزلي شبه مجانية . كنت تجد بناء ومشاريع تشيد ودول مهابة ومطارات تشتغل والأهم من كل ذلك أن المواطنين ينامون ويصحون في الصباح ولديهم دولة تحقق لهم الأمن والاستقرار والانتقال والسفر بكل حرية وراحة واليوم ضاع الأمن والأمان وانتشرت المليشيات والخطف والقتل والنهب والسلب وظهور أجسام ومخلوقات غريبة لا هم لها سوى السرقة والإفساد وتدمير كل ماله علاقة بمفهوم الدولة القادرة وإبقاء صور شكلية عن الدولة للبطش والعبث بمقدرات ألناس.
أتذكر في عام ٢٠٠٨ ذهبت إلى ليبيا للقاء المهندس سيف الإسلام القذافي والذي كان يقدم مشروع ليبي للتحديث وتطوير الدولة والمؤسسات فتعرفت إلى سائق السيارة الذي نقلني إلى مكتب المهندس سيف وعادني إلى فندق المصاري في العاصمة طرابلس وهو نفسه كان يسوق سيارة سيف وإذ أتفاجأ بعد سنوات أن ذلك الشخص نفسه هو الآن عبد الحميد دبيبة يحكم جزء من ليبيا وتعترف به أمريكا والغرب وتمنحه السوفييت المالي وحق التوقيع على صكوك المصرف المركزي الليبي ولا تعترف لأي قرار أو جسم معين من البرلمان الليبي المنتخب!
نفس الأمر تكرر في اليمن فتم تسليم السلطة بطريقة ما إلى الحوثيين وجيء بشخص يترأس مجلس الحكومة يقول بعض الأخوة اليمنيون بأنه بائع قات في باب صنعاء ثم ليخلفه غلام آخر يدعى المشاط ويصر على حمل رتبة المشير التي كان يحملها الرئيس العربي الشهيد علي عبدالله صالح.
يا لها من مفارقات لا تأتي مصادقة كما يقول علماء اللغة العربية مصادفة أصح من صدفة ولا مصادفات في السياسة.
أن ما جرى في البلدين العربيين المهمين ليس تغييرا عفويا أو ثورات شعبية إنما كاتا تتويج لمشاريع أمريكية وصهيونية في تدمير ممنهج لكل ركائز الأمة العربية واستغلال بعض السلبيات ووضع حركات الإسلام السياسي في سدة الحكم من أجل القول انها تغييرات داخلية.
ضياع اليمن وليبيا وقبلهما العراق بغزو عسكري جائر دمر كل شيء في العراق وطن ودولة وانسان أيضآ لم يكن مصادفة.
الضحية هي الشعوب التي ضاعت بين شعارات الديمقراطية المزيفة وصرخات ارحل ارحل فتم رحيلناجميعا عن اوطاننا إلى فضاء الغربة والتشرد ونتابع مأساة وطن كان يسمى بلاد الرافدين أو جوهرة المتوسط أو سبأ والحضارة ولا بد من صنعاء وأن طال السفر.
* كاتب وأكاديمي من العراق