هذا العنوان هو مثل شعبي دارج يطلقه العامة على أعمال الإنسان بخيرها وشرِّها وبأنَّها مسجلة ومحفوظة ، لأنَّ تشبيه الأعمال بالملح كون الملح لا يتأثر بعوامل الطبيعة ويبقى على حاله ما بقي في إناءه أو صُرَّته ، كذلك أعمال الإنسان محفوظة مثل صُرَّة الملح .
وهذا المثل لم يأتِ من فراغ إنّما ابتدعه حكيم من حكماء البشرية .
وفعلاً لو جئنا بقطعة قماش ووضعنا فيها قبضة كف من الملح وأحكمنا إغلاقها حتى لا يتسرب الملح منها ، ووضعناها في مكان ما بعيداً عن الاستعمال وبقيت سنوات وسنوات فإنَّ الملح يبقى كما هو لا يزيد ولا ينقص ولا يوجد طريقة لإخراج الملح من الصُرَّة المغلقة بإحكام دون أن نفتح الصُرَّة ، هي أن نأخذها ونضعها تحت صنبور الماء ونفتح عليها الماء فإنَّ الملح سوف يذوب حتى لا يبقى منه شيء ، وهذا التشبيه بين أعمال الإنسان وصُرَّة الملح بليغ حقاً ومتطابق تماماً ،
لأنَّ ذنوب الإنسان لا يمحوها إلا الاستغفار ، ووجدت آية قرآنية تثبت نظرية صُرَّة الملح والماء ، حيث قال الله تعالى على لسان سيدنا نوح عليه السلام : ( فَقُلْت اِسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِل السَّمَاء عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) .
هنا تشبيه بليغ أيضاً يبيّن علاقة الاستغفار بالماء ورغم أنهما آيتين منفصلتين إلا أنهما في سياق واحد لأنَّ : ( يرسل السماء عليكم مدرارا ) هي خبر المبتدأ في الآية التي تسبقها وهما موصولتان لفظاً منفصلتان صورة كآيتين ، والماء هنا تشبيه قبول الاستغفار من الله إذا استغفر العبد بصيغة الماء المنهمر وكذلك أيضاً الاستغفار سبب من أسباب نزول الغيث وأيضاً من أراد الغنى والثروة فعليه باستدامة الاستغفار فإنّه سبب في نزول النعم : ( وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) .
اللهمَّ اغسل ذنوبنا بماء الاستغفار .
بقلم 🖋️ البتول جمال التركي