الجزء الثاني
*هناك أفعال يقف ضررها عند صاحبها، ولكن هناك أفعال متعدية* ، أي يتعدى ضررها صاحبها ليصل إلى كل الناس، تلك الأعمال المتعدية تعمل على قتل الأعراف الطيبة ثم إلى قتل المروءة بين الناس، وهي أكثر شبهاً بالقاتل المجرم للأبرياء، عندها يصبح المنكر من العرف المقبول، ويصبح فعل الخير من العرف الموقوف على صاحبه ويمتعض منه من يفعله. وحينها تموت المروءة في قلوب الناس ويموت حب المروءة والأفعال التي تحفظ المروءة.
لذا فإن حديثنا هنا ليس عن النفقة والسخاء والعطاء والصدقة وأعمال البر بقدر ما تصنعه غياب تلك الأمور في صناعة الأنانية وحب الذات وما تصنعه من قتل المروءة بين الناس.
▪️فرجال قد ولاهم الله على أراض زراعية شاسعة، ولكنهم غير قادرين بفردهم على زراعتها، ولكنهم يحتفظون بتلك الأراضي مجمدة ويحتفظون بحيازتها لتبقى عقودا طويلة من الزمان تحت أملاكهم وتصرفهم، فيحرمون مئات الآلاف من الناس ممن هم في حاجة إلى العمل والغذاء من تلك الأراضي ومن منافعها "يعينهم في ذلك نظام ظالم مثلهم"، *_فما كمية المروءة التي يقتلونها بين الناس بأفعالهم تلك؟*
▪️ومثلهم رجال قد ولاهم الله على أراضي بوار فارغة تكفي لعشرات أو مئات الآلاف من الناس ليسكنوا فيها فيحرمونهم منها، وتبقى عشرات أو مئات السنين لم يمسوها هم أو أحد من ورثتهم، وإنما يحتفظون بها ويعضّون عليها بالنواجذ، *فما كمية المروءة التي يقتلونها بين الناس؟*
▪️ورجال يستغلون الثغرات النظامية فيأكلون أموال اليتامى أو أموال الورثة الشرعيين من النساء والأطفال بالباطل وأحيانا بشهادة الناس وعلمهم، ويرى الناس ذلك ولا ينكرونه عليهم، فما العرف الذي يصنعه أولئك الرجال، *وما كمية المروءة التي يقتلونها بين الناس؟*
▪️ورجال استطاعوا أن يستخدموا القضاء بحجج قوية كاذبة لاغتصاب الحقوق الخاصة والعامة، وليس لخصومهم طاقة على مواجهتهم، فما العرف الذي يصنعه أولئك الرجال في المجتمع *وما كمية المروءة التي يقتلونها بين الناس؟*
▪️ورجال يعملون في الدعوة إلى الله وإلى الإسلام ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وينكرون المنكر ويبذلون حياتهم في سبيل الدعوة إلى الله، ويصيبهم من الضرر في أموالهم وأبنائهم ما يصيبهم، ولكن الناس يديرون ظهورهم عنهم ويجافوهم، فأي عرف خبيث في المجتمع تصنعه مواقف الناس مع مثل هؤلاء المصلحين، *وما كمية المروءة التي يقتلونها بين الناس؟*
▪️وأناس يرون أصناف المنكر أمام أعينهم، ولكنهم يسكتون عنها أو يقبلون بها، فأي عرف خبيث يصنعه أولئك الساكتون عن الحق والممتنعين عن إنكار المنكر في المجتمع، *وما كمية المروءة التي يقتلونها بين الناس نتيجة ذلك السكوت؟*
▪️ورجال ونساء يقذفون والديهم في دور الرعاية والمسنين وهم قادرين على رعايتهم والوقوف على خدمتهم بأنفسهم أو بأموالهم، وما يصطحب ذلك العقوق من عقوق مثله بالهجران والترك، فما العرف التي ستصنعه تلك الأفعال بين الناس، *وما كمية المروءة التي قتلوها بين الناس.*
▪️ورجل قد تولى أمراً من أمور المسلمين في منصب أو وظيفة، ثم يخون الله ورسوله والمؤمنين فيستخدم منصبه لتوظيف من له مصالح معهم أو قرابة أو دلالة دون باقي الناس، فما العرف الذي سيصنعه مثل أولئك الرجال في المجتمع، *وما كمية المروءة التي يقتلونها بين الناس؟*
أختم بقصة رجل كان في طريق سفر راكبا فرسه في أرض مقطوعة، فوجد رجلا ملقيا على جانب الطريق يستغيث، فأراد أن يعينه، ولكن الرجل الملقى على الأرض قد مكر له بالسلاح، فسلبه كل ماله وفرسه وتركه أعزلاً وراءه، فناداه صاحب الفرس وطلب من قاطع الطريق ألا يحكي قصته لأحد من الناس حتى لا تموت المروءة بينهم.
د. محمد سعيد آل تركي
يتبع