إن في ذكر المصلحين من الوفاء ، فهم القادة الاخيار ،أفعالهم تفسر دورهم الكبير في البناء والإصلاح الفكري .
ومن الزعماء الإصلاحيين في جزرالقمر على ممر التاريخ الأمير سيد إبراهيم بن السلطان سيد علي المسيلي العلوي ، ثقافي سياسي رفيع المستوى .
إن الأمير يتميز على غيره بالتواضع وحب الاندماج مع المجتمع ، احترم العلماء احترامًا ، وأشفق على الفقراء والمساكين تعاطفًا كبيرا ، ليقدم رسالة واضحة أمام الجميع أن دور الإنسان في خدمة المجتمع واجب ديني ومطلب إنساني ،
من يدرس حياته يدرك جيدا أن حياته الإصلاحية في جزرالقمر شملت الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، وذلك نتيجة تكوينه العلمي ، وإنتمائه الفكري .
ولد في ١٧ من أبريل ١٩١١ بمدينة أنتاناناريفو عاصمة جزيرة مدغشقر ، وتلقى تعليمه بها ، والتحق بمدرسة لتأهيل المديرين في الشؤون الإدارية ، وحصل على وظائف ادارية عليا من عضوٍ في البرلمان الفرنسي ممثلا جزرالقمر فيه إلى أن صار رئيسا للجمهورية ١٩٧٠-١٩٧٢
والحديث عن حركته الإصلاحية نجد أنه نظر إلى جزرالقمر نظرة واضحة ، جعلته يرى أن تهيئة الاجواء السياسية والثقافية تحتاج إلى جهد كبير ، وذلك نتيجة عدم وجود عدد كبير من الكوادر العلمية ، لأن البلاد تعيش مع الاستعمار الفرنسي ، فاتخذ موقفًا عظيما في دعم سياسة التعليم ، فبدلا من المعهد الثانوي لسيد محمد شيخ في العاصمة موروني ، افتتح معهدين الاول في منطقة الشمال بمدينة مسامهولي ، والثاني في الجنوب بمدينة فومبوني ، وكذلك في جزيرة موهيلي.
ولقد كان ينظر الى قضية الاستقلال بنظرة تختلف عن الآخرين ، وليس بمعنى انه كان معارضا للاستقلال - كما يروج ذلك - عدد من يحملون نعرات عصبية ضده ، حتى يثبتون ذلك في كتاباتهم ، وهذا ليس بصحيح ، لأنه كان ينظر إلى ان أخذ الاستقلال يجب اتخاذ القرار بعد الاستعداد التام لمواجهة التحديات الصعبة من إدارة شؤون الدولة بكاملها ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وعسكريا ،
وهو كان يحذر دائما من أن الشباب المنتمين الى الحركات التي تدعو إلى ذلك مثل ( حركة التحرير الوطني للقمر ) هي مدفوعة من جهات خارجية تتعارض مع اليمين الفرنسي كالاحزاب الشيوعية وغيرها ،
إن الكثير من الابناء الذين يعيشون اليوم ، غاب عنهم مثل هؤلاء الاعلام الذين خدموا الوطن ، ومن أبرزهم الأمير سيد إبراهيم .
والناس دائما يحتفلون لاحياء ذكرى الاستقلال ٦ من يوليو ١٩٧٥م دون ذكر هذه الشخصية السياسية الثقافية التي هي نادرة في تاريخ جزرالقمر من حيث الكرم والشفقة واحترام الكل .
من القصص العظيمة التي توكد لنا دوره الكبير في سعيه للاصلاح ومحاربة الخلاف ، تلك القصة التي ذكرها العلامة محمد محمود الصواف مستشار الملك فيصل بن عبد العزبز - رحمهم الله - أثناء الزيارة التي قام بها في عدد من الدول الاسلامية بأمر من الملك فيصل ومنها جزرالقمر ، أنه اجتمع مع الامير سيد ابراهيم فوجده رجلا كبيرًا من رجالات جزرالقمر الصادقين ، له مقام كريم ، وأصل معروف ،يلتف حوله عدد من الشباب يمثلون المعارضة السلمية للحكم القائم برئاسة أحمد عبد الله ، فأراد الاصلاح بين الطرفين ، ووافق الرئيس أحمد عبدالله على ذلك كما وافق الأمير سيد إبراهيم مشكورًا ، وفي الموعد المحدد امتنع انصار أحمد عبدالله عن الحضور لأسباب سياسية .
وبعد ذلك أقام الامير سيد ابراهيم حفل غذاء كبير في بيته دعا اليه علية القوم ، وبعد تناول الغذاء تفضل وألقى كلمة ترحيبة بزيارتنا ، وأبعادها ، وآثارها، ثم شكر الملك فيصل على عنايته ورعايته للمسلمين في كل أقطار الأرض.
ثم قام المستشار وألقى كلمة مثيلة شكر فيها عواطفه وكرمه ولطفه.
ثم ختم بالدعاء لسيادته وللحاضرين .
ولاننسى دور الامير دائمًا في الارشاد والتوجيه نحو الاهتمام بالمدارس الإسلامية ، وذلك أن المدارس الدينية هي مفاتيح النجاح للشباب في حياتهم الثقافية ، فجعل في المدارس الفرنسية مادة الثقافة الاسلامية من خلال تدريسها باللغة العربية .
وختم الله له بحسن الخاتمة بعد أداء فريضة الحج توفي في جدة ١٧ من ذي الحجة ١٣٩٥هـ الموافق ٢٠ من ديسمبر ١٩٧٥م ، وأمر الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله- بنقله إلى جزرالقمر بطائرة ملكية خاصة ليدفن في مسقط رأسه إكوني .
[gallery ids="288236,288241,288249,288237,288246,288244,288248,288247"]
بقلم الشيخ نورالدين محمدطويل
إمام وخطيب المركز الثقافي الاسلامي بمدينة درانسي شمال باريس في فرنسا