من منا لا يعرف تاريخ حركة طالبان الأفغانية القومية-الإسلامية السنية السياسية المسلحة، والتي نشأت في ولاية قندهار الواقعة جنوب شرق أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994م، على يد (أبو طالبان)، الملا محمد عمر، الذي بدأ رؤيته كفرقة جهادية حماسية تسعى للقضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، فما لبث أن تجمع حوله وساعده طلبة المدارس الدينية، الذين بايعوه أميرا لهم عام 1994م.
حكمت الحركة أجزاء كبيرة من أفغانستان وسيطرت على العاصمة الأفغانية كابل في 27 سبتمبر 1996م، ثم أعلنت قيام الإمارة الإسلامية في أفغانستان، وأميرها الحالي هو هبة الله أخوند زاده.
حركة تتظاهر بأنها تتحاشى وتحرم الهجمات على المدنيين الأبرياء، الذين لا يعينون العمليات القتالية ضدها بشكل مقصود، وأنها تختلف عن حركة طالبان باكستان!
والواقع يقول إنها حركة متطرفة تعتبر الحكم الشرعي في مذهبها حكما واحدا لا يحتمل الأخذ والرد حوله، وتنفيذ الأحكام الشرعية لديها واجبة، حتى وإن كانت هنالك مذاهب أو آراء أخرى تخالفها.
وهي تسعى لمحاربة أي جديد وعصري، وتبشر بالعودة سلفيا لتاريخ الخلافة الإسلامية، وتهميش شأن المرأة، ومنعها من كثير من حقوقها في التعليم والعمل، ومزاولة بقية شؤون الحياة كالرجل.
طالبان اجبرت على البعد عن مزاولة السياسة وتسلم السلطة أثناء تواجد القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو في أفغانستان، ولو أنها ظلت تظهر وتغيب، وتزاول التدريبات وحمل السلاح، وتقتنص عمليات كر وفر نوعية، ولها الكثير من المريدين والأتباع.
الحياة الاجتماعية وحريات الشعب والنساء كادت أن تبلغ درجات عظيمة من التقدم أثناء الاحتلال الأمريكي، ولكن أمريكا لم تكن بتواجدها هناك تسعى لرخاء ونماء وحرية الأفغان، بقدر ما كانت تطارد وتحارب أفراد وقيادات لعدد من الجهات الإرهابية والمتطرفة مثل منظمة القاعدة، ولم يكن عملها خالصا منهجيا لتدريب القوات الأفغانية، ما جعل مسألة خروج القوات الأمريكية، وقوات الناتو في الأسابيع الأخيرة كارثة، ومدعاة لتغييرات عظيمة على أرض الواقع، ما أكسب طالبان النشوة والقوة وسرعة الخروج من المخابئ، للتواجد بالشارع، والإطباق على مفاصل ومقرات أغلب الولايات الأفغانية، وتهميش عمل الحكومة، والبدء من جديد في نشر الميليشيات المسلحة، وبرمجة العنف، والتطرف، والتهيئة لإرهاب قادم ليس فقط على أفغانستان، ولكن على مختلف الدول المجاورة، وربما البعيدة، وصولا بالتالي إلى دول الناتو والأرض الأمريكية.
قيادة طالبان كانت معطلة طوال السنوات العشرين الماضية، وكان لها مكتب قيادة وتسيير أعمال في الدوحة محجم المحتوى والمفعول، فلم تكن قادرة على العودة القوية للواجهة إلا بعد رحيل الجيش الأمريكي.
الشعب الأفغاني يحاول الإمساك بالأمور، والدفاع عن مكتسبات العقدين الماضيين، حتى أن كثير من النساء خرجن للشوارع، ونادين بحمل السلاح، ضد حركة تريد عودتهن لظلام الماضي وظلمه.
انسحاب أمريكا من أفغانستان، كما انسحابها من عدة مناطق ملتهبة في الشرق الأوسط، يزيد من الفوضى، ويهد أي ترتيبات وجهود سبق وأن بذلت، وللأسف فالإرهاب يسود بمثل هذه الانسحابات، وقد يسنح المجال لدول محتلة منتهزة جديدة تأتي بدعوى سد الفراغ وإصلاح الشأن، وهي إنما تسعى لمصالحها الحدودية وأطماعها الاقتصادية والتوسعية في تلك المناطق المهيأة للفوضى.