وددت أن أتناول في هذا المقال موضوعا في غاية الأهمية ، وهو مجانبة التوفيق لإدارات بعض المؤسسات والجمعيات الخيرية حلول لتصحيح مشكلة ما ، قد تواجهها هذه المؤسسة أو الجمعية الخيرية ، وتلجأ إلى تبني مبادرة أو مشروع أوحملة مجتمعية ، في إطار من المسؤولية المجتمعية دون دراسة الأمر من كافة جوانبه دراسة مستفيضة. وتقوم بتكليف شخص قد تراعي فيه مبدأ الثقة على حساب الكفاءة ظنا منها ، أنه الأقرب إلى تصحيح الخلل أو تصويب الإعوجاج الذي قد يحدث، دون دراسة مستوفية لأبعاد هذا الإختيار أو القرار الذي تم إتخاذه . وفي الحقيقة ، قد نقود بمثل هذا التبني أو الإختيار مؤسساتنا وجمعياتنا إلى عواقب لاتحمد ،حتى وإن كانت النوايا طيبة أوحسنة ، فلا تبنى القرارات على النوايا فقط ، بل يجب أن تكون في إطارها المؤسسي ، الذي يحسب تبعات ومخرجات القرارات التي تتخذها إدارات المؤسسات أو الجمعيات . ويقينا من إن إتخاذ القرار الصائب هو مسؤولية دينية وقاانونية ، وكذلك أخلاقية ومجتمعية ، وواجب الحرص على تبني المسار الصحيح ليس من نافلة الأعمال، لأنه قد نجد أنفسنا في سلسلة من المشكلات ، التي تتوالد وتتضاعف ، لأنه كما يقولون إن لم نكن نوفق في المدخلات ، وبالتالي ستكون بالتأكيد المخرجات مجموعة من المشكلات التي قد تكون أكبر وأعمق فتولد من حل مشكلة الى مشكلة اضخم . ومن الأساليب التي تساعد في إتخاذ القرار الصائب ، فنخشى ما نخشاه سقوط الجمعيات في قانون تأثير الكوبرا الذي عملت له دراسات معمقة . حيث يذكر أن أصل هذا القانون جاء خلال فترة الإحتلال البريطاني للهند ، ووجد البريطانيون أنفسهم أمام مشكلة" وجود أعداد كبيرة من ثعابين الكوبرا"، الأمر الذي يسبب في زرع الخوف والهلع للمارة من الناس. ووجد البريطانيون حلا ، بأن يعلنوا عن مبادرة للهنود ، بأن من يقتل ثعبان ويأتي به إلى مكان تم تخصيصه لإستقبال الثعابين المقتولة ، يحصل على مكافأة مالية مقابل كل ثعبان يتم تسليمه لهم . وظن البريطانيون أنها فرصة يتخلصوا من الثعابين وأن هذه الفكرة ناجحة جدا ، وعند استلامهم إياها بعد قتلها يستفيدوا من جلودها وهنا يحققون ربح ويعوضون الخسارة ،وأيضا يحققوا علاقة حسنة مع المجتمع المحلي الذي سيحصل على مقابل مالي مجز من هذه المبادرة. وفعلا، بدأ الهنود يتوافدون بأعداد كبيرة محملين بأعداد ضخمة من الثعابين ، وأكتشف البريطانيون بعدها ، أن الهنود قاموا بتأسيس مزارع لتوليد وتفريخ الثعابين وتكثيرها ، حتى يستطيعوا أن يبيعوها للبريطانيين فقامت الحكومة البريطانية والغت اعطاء المال مقابل الثعابين فاصبحت الثعابين بدون قيمة واعدادها تزايد فما كان من اصحاب المزارع الا طردها بالغابات . وهكذا كان القرار غير المدروس من الإنجليز أوجد نتائج كارثية، حيث إنتشرت الثعابين بكثرة في الغابات ، وبأضعاف مضاعفة. .وهنا قصة ذات قانون مشابه حدثت في مدينة جدة، سميت عرفا " غربان جدة "، ولا نعرف مدى صدقيتها، ليذكر هذه القصة مسؤول قديم بالأمانة في محافظة جدة، حيث قال " أن رجال أمانة جدة فكروا في التصدي للجرذان التي إنتشرت بصورة ملفتة في ذلك العهد ، فهداهم تفكيرهم إلى أن تلك الجرذان تحتاج إلى طيور جارحة تنقض عليها وتفتك بها، ووقع الاختيار -لأسباب غير معروفة- على الغربان لتقوم بهذه المهمة ،فجيء بأعداد منها عن طريق بعض أفراد الجالية الأسيوية المقيمة هناك ،وأطلقوها في فضاء جدة على حين غفلة من أهلها، ولم يمض وقت طويل حتى تكاثرت وتضاعف عددها ، ثم بدأت تتغذى على لحوم وشحوم الجرذان ،وعلى بقايا الأطعمة والنفايات وعلى أشياء أخرى. وهنا تفاقمت مشكلة اخرى ،وهي وجود الغربان بأعداد كبيرة جدا ومزعجه للعامة من الناس.
ومما سبق ذكره ، والذي يعيدنا إلى المغزى من تناول هذا الموضوع، وهو مشكلة " عدم وضع شخص مناسب في المكان المناسب" ، وكذلك عدم دراسة المبادرة او المشروع او الحملة المجتمعية التي ترغب مؤسساتنا في تبنيها من جميع النواحي. حيث يتم النظر اليها من زاوية واحدة ، كمحدودية التكلفة فقط أو سهولة التنفيذ أو نحوه ، ولكن دون مراعاة الجوانب الأخرى التي لاتقل أهمية، فنسقط هذه المؤسسات أو الجمعيات في تبعات لم تحسب لها حساب ، كما عندما تم سن "قانون تأثير الكوبرا" و قانون "غربان جدة".
مستشار ومدرب في مجال المسؤولية المجتمعية
1 comment
1 ping
جابر الرويعي
02/10/2020 at 9:49 م[3] Link to this comment
فعلا استاذ فواز اصبت كبد الحقيقة فكثير من القرارات الغير مدروسه أو الاي تصدر من اشخاص غير ذوي الحكمة والرأي يكون لها عواقب خطيرة وحينها لا ينفع البكاء على اللبن المسكوب .