الفقر ليس عيبًا أبدًا، بل العيب أن تكون فقيرًا معرفيًا وتتحدث في شأن لاتعرفه، ليس كل من لوى لسانه بلغة أجنبية أو تحدث بمصطلحات خاصة أصبح مثقفًا.
سامي الجابر الكابتن العملاق الذي شرفنا دوليًا ونفتخر به، في لقائه مع الأستاذ القدير والمتميز عبدالله المديفر لا نشك أبدًا في حسن نيته وصفاء مقصده، ولكن، لم يكن حديثه عن جازان والأحساء خيانة في التعبير، بل كان حديث شخص يدلي بما لايدري ويهرف بما لايعرف.
وما أحزننا في حديثه هو تلك الصورة الخاطئة العالقة في ذهنه عن جازان والأحساء، مامصدرها؟
ولأني ابنة جازان، ولأنك يا كابتن ابننا وحق علينا أن نساعدك ونزودك بمفاتيح ما أرتج عليك، سأعينك في البحث عن "بعض" السلوك الاقتصادي للمواطنين في منطقة جازان:
لنفرض أن (س) من الناس مسافر قاصدًا جازان، وجلس في المطار منتظرًا بجانب جازاني، الذي سيحدث أن الجازاني سيطلب من (س) أن "يَقدُم" عنده في منزله، وسيحلف عليه أن يبقى في ضيافته طيلة فترة بقائه في جازان، بل و ستتوالى عليه الدعوات والاحتفاءات من كل مكان، وهذه العادة موجودة في معظم مناطق المملكة.
هل تعلم ياسامي عن مقدار التبرعات والصدقات القادمة من جازان.
هل تعلم أن نساء جازان أول من خرجن لقيادة السيارة بعد صدور أمر السماح للنساء بالقيادة، ولم تقد سيارة زوجها أو أخيها، بل قادت سيارتها المسجلة باسمها في رخصة السير لأنها مستقلة ماديًا.
ثقف نفسك أكثر يا كابتن واسأل رجال الأعمال الذين أطلقوا مشاريعهم وفتحوا فروعًا لها في جازان، اسألهم عن حجم القوة الشرائية والتسوق فيها، وهي مقياس لمستوى دخل الفرد لايستهان به.
هل تعلم ياسامي كم ليلة تستمر حفلات الأعراس في جازان وكم يُنفَق عليها من استقبال للضيوف-الأقارب والأصدقاء- في منازل أهل جازان الواسعة من مختلف مناطق المملكة، ومن إقامة للولائم على امتداد هذه الأيام والليالي وما يصاحبها من "رفود"؟
هل تعرف كم يكلف الفل الجازاني في الأعراس لأسرة العريس في الليلة الواحدة؟
هل سمعت ماذا يقدم الجازاني لسميّه الذي يُسمّى على اسمه؟
ساعدتك في طرح أسئلة تشويقية لأشجعك على البحث والاطلاع وتثقيف نفسك.
كل ماذكرته لك سابقًا يخص الطبقة المتوسطة في جازان ومادونها بقليل وهم السواد الأعظم، وهذه النفقات معتادة في حياتهم، أما أعيانها وأثرياؤها فسيزيدون فوق السمن عسلًا.
قال تعالى:"ولاتبذر تبذيرًا"، ولكن ما أردت إغناء معلوماتك به هو أن أهالي جازان ولله الحمد لا يشتكون الفقر والعوز كما قلت بلسانك وأكدته إشارة يديك، بل تجاوزوا ذلك لدرجة أن أصواتًا كثيرة في جازان طالبت بالحد من الإسراف والتبذير تحت وطأة العادات والتقاليد.
أما حضرتك يا أستاذ عبدالله ولك مني كل التقدير والاحترام، كيف لم يلفت حديث سامي الجابر انتباهك؟ أين كان ذهنك وقت حديثه؟ لماذا لم تستدرك بعد حديثه بسرعة بديهتك المعتادة؟
خرجت بعد الحلقة في اليوم الثاني بديباجة باهتة وكلمات فقدت بريقها لم تجبر نقص ثقافة ضيفك الفقيرة عن المستوى الاقتصادي لمواطني بلاده.