تستفزني كثيراً اللوحات الفنية التخيلية عن رجل الكهف في العصور الحجرية، وكيف كان يعامل الأنثى، حين يظهر بذراعيه الضخمتين كثة الشعر، وفي يده هراوة ضخمة منبعجة الرأس، حين يشد الأنثى الجميلة من شعرها الطويل متجهاً بها إلى الكهف، بعد أن يكون قد أجهز على أنداده من الذكور الضعاف، وحاز على فريسته اللذيذة الدسمة، الفريدة، بقوة عضلاته وشدة بأسه.
وهذه صورة بهائمية متوحشة للإنسان البدائي تصورها عقول من حاولوا تأطير العلاقة بين الذكر والأنثى بمنطق الغاب الحيواني.
والحقيقة أن حتى منطق الغاب قد لا يصل إلى ذلك الحد التهميشي لقيمة الأنثى، لتكون أداة للمتعة فقط، وهي لا تنصف أيضا قيمة الإنسان الذكر حين تنفي عنه جميع صفاته البشرية الراقية الأخرى، فلا يتبقى ظاهراً منها غير الصفات الغرائزية الحيوانية البدائية العنيفة الدنيئة.
وفي عصرنا تظل بعض المجتمعات البشرية المنغلقة مستمرة على تجسيم تلك المفاهيم الحجرية، لرجل الهراوة، وأنثى الكهف، الفريسة المغلوب على أمرها، وقد تصاب الصورة على طوال فترة التعايش مع الأعراف البالية بالتشويه الدائم، فلا يكون من السهل تنقيتها بنور العقل، والخروج منها بمعاني ودلالات تشير إلى ترقي البشر طوال العصور المنصرمة.
بعض الذكور يعتقدون أن الرجولة، هي نفسها صفة الذكورة!
فلا تثبت رجولته، إلا متى ما تعامل مع كل أنثى يقابلها بغرائزه الذكورية الحيوانية البدائية، فيشعرها مهما بلغ الترقي بينهما بأنه بجهد جهيد يلجم أعصابه، حتى لا يقوم بطرحها أرضاً وجرها من شعرها، إلى كهفه المظلم.
وللأسف فهذه صفة ما تزال تحدث بيننا في بعض المجتمعات، سواء كان صاحبها يحمل درجات تعليم عالية، أو كان ممن لا يزالون يعيشون في كهوف مخيلاتهم.
الذكورة بمفردها ليست ميزة يستطيع الرجل التميز أو التفاخر بها، فلو تفكرنا قليلاً لوجدنا أن حتى أسفل الدرك من الحيوانات وأجناس الحشرات والطيور تمتلك تلك الخاصية، وأنها غريزة، حيوانية تُمَكِن الذَكر من السيطرة والإنجاب، إذا ما تقابل مع أنثى من جنسه، ولكن حامل هذه الصفة، ليس بالضرورة أن يكون رجلاً!
فالرجولة منظومة من الملامح والمشاعر والصفات والمعاني والتصرفات تشتمل على الكثير، ولا يمكن أن تقاس قيمتها بمدى القدرة الجنسية منفردة، لأنها ببساطة قدرات لا يمكن أن يمتلكها أي ذكر، فهي معروفة بكثرة وتنوع متطلباتها النفسية، والعقلية والحضارية، والتي تجعله مؤهلاً لتحمل مسؤوليات وتبعات هذه الصفة.
الرجولة هي قدرة على احتواء وتقدير واسعاد وحماية الأنثى ورحمتها، وهي قدرة على بث مشاعر الثقة في محيطها، وفيمن تَعول، وإسعادها، وإعطائها قدر تستحقه من الثقة والحب والتفهم والمشاركة معه في حياتهما، مما يجعلها تشعر بأنها ملكة متوجة في وجوده، وليست مجرد أداة للمتعة.
معظم المعتقدات والأديان أعطت للأنثى قيمة تتناسب مع صفاتها، وأعطت للذكر مسؤوليات أشمل وأعمق، بتوازن يضمن في محصلته أن تصبح علاقتهما رباط مقدس بين الجهتين، وطريق واحد يهيمنان على كل ما فيه من مصاعب، ويسعيان لأن تستمر الإنسانية فيهما، ومنهما تعطي وتنتج، وتتقدم في مستقبلها بأجيال من الحب والفهم والتشارك والرقي لعمار الأرض.