أيهما أقوى ؟
لقد فكرت ملياً قبل كتابة هذا الموضوع ، لأني لا أدري كيف سيتلقى القارئ هذه السطور ؟ وكيف سيتعاطى معها ؟
القانون والنظام والسلطة هم أساس التنظيم في المجتمعات المدنية ، وهم المشّرع والمنّظم والمراقب لكل ماهو كفيل بتقديم مجتمع حيوي ومؤسسات مدنية ناضجة كفيلة بانعاش الحياة المجتمعية ، وتحقيق جودة الحياة ، والانتقال إلى الحياة السعيدة التي تطمح لها المجتمعات الناضجة .
تسعى المجتمعات والنظم إلى تحقيق العدالة الإجتماعية ، والنهوض بمجتمعاتها ، والأهم في المجتمعات الناضجة والحيوية أن تسعى إلى نمو اقتصادي تلقائي ومتزايد ، يتسم بالاستدامة حتى تكون العدالة الاجتماعية ليست توزيعاً للفقر وإنما توزيعاً للرخاء والرفاهية .
والأهم بالتأكيد جودة الحياة السعيدة ، التي لا تتوفر في اقتصاديات الندرة ، بل تتوفر في اقتصاديات الوفرة التي تتحقق بالمزايا التنافسية والقدرات الإبداعية ورؤية ( الجزء في اطار الكل ).
إن النظم الحديثة والقوانين المنظمة لحياة الفرد والمجتمعات أصبحت تراعي بالدرجة الأولى كل الجوانب حيث أنه لا تمييز ولا تمايز ولا تفضيل ولا مفاضلة بين ابناء الوطن الواحد لاي سبب من الأسباب ، إلا الاستناد إلى معيار الكفاءة وحتى معيار الكفاءة عندما ينطبق يجب ألا يَنتُج عنه استبعاد أو اقصاء لمن هم اقل كفاءة .
لذا تحرص الدول المتقدمة والساعية إلى التقدم وتحقيق جودة حياة سعيدة لمواطنيها.. إلى التطوير المستمر والتنمية المستدامة ، بعيداً عن النمو ، حيث أن هناك فرق بين النمو والتنمية
فالنمو : هو الزيادة في (الكم ) وهو مؤشر لقياس الكم الذي يحدث سواء بالزيادة او النقصان .
والتنمية المستدامة هي : التحسن الملحوظ والمقاس (كماً و نوعاً) وتعبر عن تغير وتغييرات نوعية . (م.ك.مصطفى)
وعليه فإن الأنظمة والسلطة والقانون يسعون دائماً للتطوير والإصلاح من التواكب مع التغيرات المتسارعة،
وحتى يتم ذلك فأن سلطة القانون تقوى إذا قوت المعرفة، وشيوع المعرفة في كافة الجوانب .
فالمعرفة أسيرة لادواتها فإذا تغيرت وتطورت الأدوات تغيرت المعرفة وزادت درجة قوتها .
ولتقريب الصورة بشكل أوضح ، ما أخبرنا الله به في سورة الكهف في قصة سيدنا موسى عليه السلام وقصة ( الخضر ) الذي أتاه الله الرحمه وعلمه من لدنه سبحانه وتعالى علماً ، وهو هنا يملك سلطة المعرفة .
ببنما وموسى عليه السلام آتاه الله الشريعة والقانون فهو يملك سلطة القانون .
(قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) ثم تبدأ القصة بين سلطتي القانون ( الشريعة ) وبين المعرفة التي تظهر في تبرير الأفعال التي تمت بأمر الله بالرحمة ثم بالمعرفة التى أوتيت لل( الخضر ) ولم يعرفها سيدنا موسى عليه السلام حيث ظهرت في معرفته أن خرق السفينة.
والعيب الذي حدث فبها كافٍ لإبعاد قانون الملك الذي يأخذ كل سفينة غصباً ، وأما الغلام العاق الذي قتله فقد اشترك القانون ( لأن في شريعة موسى عليه السلام يجوز قتل الولد العاق بوالديه ) والمعرفة التي يمتلكها ( الخضر ) من لدنه سبحانه وتعالى، ثم الجدار الذي عرف أنه تحته كنز فأراد الله أن يبلغا أشدها ويستخرجا الكنز رحمة من الله ومعرفة من لدنه.
إذن ، فالمعرفة تفيد في التغيير و التغيير يتطلب ثلاث خطوات تتم بالتوازي بعد المعرفة يأتي النموذج ولاالزام .
- فالمعرفة تعنى بإكساب القدرة على شيوع تطبيق النموذج، والالزام يعنى بالقانون العادل الذى يضمن شيوع تطبيق النموذج وحمايته .
وأن الإصرار على بناء النموذج دون الإتفاق عليه ، ودون بناء القدرة بالمعرفة ، ودون وضع القوانين والنظم العادلة إهدار للوقت والموارد فى بناء نموذج لا يحقق التحول ولا التغيير ولا التطور المنشود .
والأهم من هذا الوضوح والشفافية حول الأهداف والغايات . . فلا صدق ولا مصداقية لخطط وأهداف تتسم بالغموض وعدم الوضوح ، ولم يتم الاتفاق عليها .وهناك فرق كبير بين التحكم في أفعال الناس وردود أفعالهم وبين إدارة سلوكهم .
فالتحكم في أفعالهم يعنى التخويف والترهيب وتكون نتيجته شعورهم بالإحباط واليأس ونقص الإحساس بالحياة .
أما إدارة سلوكهم فتتم بالمعرفة والوعى ، والتعرف على حاجاتهم ، ودراسة اتجاهاتهم ، وتبادل الحوار الأمن معهم بما يؤدى إلى اقتناعهم بما تريد أن يفعلوا ، ومن ثمّ تعميق احساسهم بوجودهم وزيادة انتاجيتهم. والذي يوصل الى الانسجام والتوازن والثقة المتبادلة بين سلطة المعرفة وسلطة القانون للنهوض بمجتمع المعرفة .
أ أدركتم الآن أيهما أقوى ؟
1 comment
1 ping
ابوسليمان
29/01/2020 at 12:18 م[3] Link to this comment
مقال رائع