من عجائب الخالق عز وجل هو توزيع الارزاق فحيثما وجد فقيراً يرزح تحت وطأة العوز، نجد بالمقابل غنياً يعبث بالملايين يمنة ويسرة. وهذا التنوع العجيب لا علاقة له بكون الأرض غنية بالثروات أو فقيرة بالمصادر الطبيعية. فمثلا ارض الخليج، الفقيرة زراعياً والغنية بترولياً، نجد افراداً يطلون سيارتهم ذهباً وفضة ويقتنون المفترس من الحيوانات فقط لأنهم قادرين على دفع قيمتها.
وفي نفس البلاد نجد مواطناً يستدين من نصف الشهر ليكمل اخره بكرامته.
وهذا ديدن الانسان منذ العصور الغابرة، فهذا توت عنج امون ينتعل الذهب ويرتدي قناع الذهب ويركب عربة من ذهب.
ورأينا في قصور الخلفاء العثمانيين كيف انهم حتى مكان قضاء الحاجة البشرية، اعزكم الله، صنعت من الذهب.
قصص الأغنياء وحبهم للذهب حتى الموت لا تخلو من الطرافة فقد نقل المؤرخين ان ملك تايلاند (سيام سابقاً) فر هارباً من الاحتلال البريطاني وملأ سفينته بالذهب، ولكن يا فرحة ما تمت، فالسفينة لم تتحمل كمية الذهب الهائلة الذي حُبلت به، فغرقت وغرق معها وهو يستغيث بان ينقذه اتباعه ولكنهم امتنعوا لأنه، حسب ديانتهم، مقدس ولا يجوز لمسه او حتى النظر مباشرة الى وجهه!!
هوس الذهب استمر الى يومنا هذا، فقد نقلت الصحف خبر سرقة مئة و ستين الف ريال من محل بالرياض والمفاجأة هنا ان المحل ليس لبيع الذهب أو الألماس بل مخصص ل"كيك الذهب" كعكة تصنع من افخر أنواع الشكولاتة ومطعمة بالذهب. في الصين حيث يأكل الفقير من المزابل، نجدها الثاني عالمياً بعد أمريكا في عدد المليونيرات. جارتها الهند وهم ملوك الذهب منذ العصور الوسطى، عاش شخص يدعى "داتا فوغ" طلب من 16 صائغ ان يصنعوا له قميص من الذهب يزن 3.32 كيلو ذهب ويساوي 240000 دولار حتى اٌطلق عليه لقب "رجل الذهب" ولكنه لم يتهنى بهذا اللقب او القميص، فقد قُتل، امام ابنه، ضرباً بأيدي 12 رجل مسلح لتنتهي حياته بفاجعة.
ذكر الفيلسوف الأمريكي " ايرك هوفر" ان الغني يكره التغيير و ذلك لأنه يعلم في قرارة نفسه انه الحظ له دور كبير في حصوله على الثروة لذا يحرص على ثبات الحياة العامة ليثبت حظه. اما حديث الأغنياء وادعاءهم بكونهم عصامين و بدأوا من الصفر، فغالباً يكون لمليء صفحات الكتب التي لا تباع. نحن نؤمن ان الله عز وجل مقسم الارزاق و كل فرد يرتو على الأرض ينال زرقه. فقط عليه ان يتوكل على الله ويجتهد و يشكر الرزاق الكريم على نصيبه.
على كل أمرئ ان يعيش حسب امكانياته المادية و المعقولة اما ما يحدث لدينا من حمى الغنافوبيا وهي حالة مرضية يقوم بها ذوي الدخل المحدود للتشبه بالأغنياء فيستدينوا الأموال و تتراكم عليهم الديون و الأقساط لشراء سيارة فارهة او قصر منيف بحجة ان الانسان يعيش مرة واحدة! فيحول حياته الى عسر بعد ان كانت يسر بسبب سوء اختياراته او تماشيا مع المجتمع. فكوب القهوة ذا العلامات التجارية العالمية الذي اصبح مستنزف لدخل العائلة لن يغير حياتك للأفضل وان اختلف طعمه عن طعم القهوة المحلية فهل يساوى هذا الفرق ما يدفع من مبالغ طائلة لو اجتمعت شهريا لتم شراء بها غرض يفيد العائلة بأكملها.
في كل بلد تتواجد هذه الطبقية، إن كان هناك من يسكن القصور، فهناك من يسكن المقابر. ومن الفطنة تلبية احتياجات كل طبقة حتى لا تفر بأموالها أو عقولها الى الخارج. بمعنى اخر، إيجاد مناخ استثماري ملائم للأغنياء لتظل أموالهم لبنة بها تعمر الوطن بدلا من ان تشحن خارجا، كذلك توفير بيئة توظيفية للطبقة الكادحة الطامحة في تغيير وضعها للأفضل بدلا ان يخنقها الاحتكار والواسطة فتهاجر أو تمقت الأغنياء وتنتهز الفرص للنيل منهم كما فعل ال12 مع داتا فوغ!