لا ننكر أن التجربة خير معلم ، وواقع التربية في هذه الأيام مقلق جداً ، ويثير مخاوفاً جمة في المستقبل.
وحين نتحدث عن طفل، هذه الهدية السماوية ، نقع في معضلة الحب الزائد ، والخوف المفرط عليهم؛ فلا نسمح لهم بالتجربة ، والمساعدة والعمل. والأمر يتفاقم أكثر حين نملي عليه ما يفعل ، ويقول ، ويلبس، فيغيب ذهنيا ، ويصبح أشبه بريموت كونترول في يد الوالدين ، وخاصة الأم. فلنعطه الفرصةعلى الأقل ليختر ملابساً معينة ، أو لوناً معيناً ، يتماشى وهواياته.
وباختبار بسيط ؛ لو سألنا أي أم عن اللون المفضل لإبنها ، أو إبنتها فللأسف تأتي الإجابة غالبا باللون المفضل لديها.
حتى حين يتبرع الطفل بالمساعدة في اعمال البيت من تنظيف ، أو مساعدة الأم بالطبخ ، يُواجه بالنقد؛ لكون عمله غير متقن ، وعشوائي ، وننسى أنه لا يزال طفلاً ، يحاول أن يبني شخصيته ، و تجاربه؛ فمجرد أن يُمنع من المساعدة ، و يُصدم بالنقد ، يبدأ عقله ببرمجة أن هذا الفعل خطر عليه ، و سيقوم العقل على الأثر بممارسة أسلوب الحماية، فلا يفعل شيئا ، و يتحول إلى مخلوق اتكالي على الآخرين؛ أما على الخادمة -إن وجدت- أو على أمه.
ربما بقصد الحماية او الدلع الزائد ،وشيئاً فشيئاً، يميل الطفل إلى السكون ، وعدم خوض التجارب؛ خاصةً مع وجود من يلوذ به في الملمات، حتى يبلغ سن الزواج .
فكيف بالله تتوقع منه ان يربي طفلاً ، وهو لا يفقه تربية نفسه.
إنّ أباءنا ، وأجدادنا كانوا نافذي البصيرة؛ فكانوا يشركون الأولاد في اعمالهم ، والبنات تساعدن أمهاتهن ، وحتى ولو أخطأوا ، يقولون لهم: كرروا العمل ، حتى تتقنوه ، وهكذا يتعلّم الأبناء الصبر ، والمثابرة ، وإصلاح الأخطاء ، وشيئاً فشيئاً ، يبنون خبرتهم الذاتية ، ويتم الاعتماد عليهم بكل شيء.
يقول - جمس تايلر- مؤلف كتاب " الأطفال يستمعون" ( ليس أيسر من بناء ثقة الطفل بنفسه، فقط اِجلس ، وراقبه ، وهو يعمل ، ويخطئ ، ويتعلم ، ويختار ؛ المطلوب التدخل فقط عند الضرورة).
إنّ خطأً واحداً من الطفل يتعلم منه درساً ، أفضل بكثير من عشرات الساعات المضنية في المحاضرات الفارغة.
إنً المدح الزائد لا فائدة منه، ويصبح بدون نكهة ،وبدون فعالية،
لذا امدح طفلك فقط إن استحق المديح ، وبكلمات محددة وواضحة.
إظهر حبك لأبنائك على الدوام ، وبدون شروط، مع الملاحظة أن المحبة تختلف عن المديح الزائف.
هكذا تُبني الشخصية ، ويُتعلم أنّ الخطأ أمر وارد؛ بل ومحبب ، فكيف يُستكشف الأخطاء دون التجربة ، فلنكن أكثر شجاعة في مواجهة قرارتنا الأسرية.
ولنتذكر الحكمة الأسيوية التي تقول: "لا تعطني سمكة ، بل علمني كيف أصطاد".
كما أنّه من الخطأ الفادح أن نجبر أبناءنا على نفس منهاجنا ، بلا تقبّل للوضع الحالي.
يقول أمير المؤمنين، علي ابن أبي طالب: " لا تُكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنَّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم ".