جاء الإسلام رحمة للعالمين ، وهذه الرحمة باقية إلى يوم الدين .
ولكن من سنن الله الكونية تطرأ على البشر ،ظروفا انسانية كثيرة تجعلهم يحتاجون العودة إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم للبحث عن أحوالها وكيفية التعامل معها .
فمن هنا كانت شريعتنا الاسلامية السمحاء غنية بثروتها الفقهية في تلبية احتياجات المجتمع دون استثناء.
وذكر لنا القرآن الكريم درجة البحث عن الحقائق أنه لابد من العودة إلى المختصين في تبيينها وتفسيرها فقال ( فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون ).
انطلق المسلمون - من خلال هذه الآية الكريمة- خدمة دينهم الحنيف بالتعلم والتعليم بنصوص القران الكريم والسنة النبوية الشريفة ، فبرز قوم اشتهروا بالفقهاء لغزارة علمهم الشرعي بالرواية والدراية .
ومادامت الامة تعيش ظروفًا صعبة في بعض الاحيان استطاع أولئك القوم أن تُسْنَدَ إليهم الافتاء بالفتوى الشرعية .
والفتوى عرفها كثير من العلماء بتعريفات كثيرة ، ويكفي لنا أنها: إخبار عن حكم الله تعالى في إلزام أو إباحة .
وبعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه في منصب الافتاء كوكبة من صحابته الكرام ، قامت به أحسن قيام ، فكانت سادة المفتين .
ثم جاء من بعدهم التابعون ، وأتباع التابعين ، وكثير من الأئمة المجتهدين ، والعلماء العاملين ، فأفتوا في دين الله تعالى بما اتاهم من علم غزير ، وقلب مستنير ، ورقابة الله العليم الخبير ، خدماتهم الجليلة في خدمة الأمة كانت لها الأثر الكبير في نشر العلم ، وإصلاح العمل.
ولكن مادامت الفتوى إخبار عن رب العالمين لها ضوابط لأن إطلاق القول بالحل أو الحرمة من غير ضوابط إفتراء على الله ، والافتراء على الله من كبائر الذنوب بل أشدها .
والضابط الاول الاعتماد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم التطرق إلى إجماع المسلمين ، وهو اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي في واقعة.
اذاكان هذا فيما يتعلق بالفتوى ، فما الصفات التي يجب أن يتحلى بها المفتي ؟
انها صفات كثيرة ، نذكر من أبرزها :
أن يكون مكلفًا ، مسلمًا ثقة، مأمونًا متنزها من أسباب الفسق ومما يخل بالمروءة ، لأن من لم يكن كذلك فقوله غير صالح للاعتماد ، حتى وإن كان من أهل الاجتهاد .
وكذلك عدم صدوره للفتوى بموافقة غرضه وغرض من بجانبه فيعمل به ويفتي به ، ويحكم به ، ويحكم على عدوه ، و يفتيه بضده ، وهذا من أفسق الفسوق.
والكارثة الكبرى في هذه الأيام نجد أن هذا المنصب العظيم الذي يخبر صاحبه عن رب العالمين بدأ يفتقد مصداقيته في كثير من المجتمعات لتساهلها في الأمر، ولعدم جدية أصحابه ، بخلاف المجتمع السعودي الذي اتخذ الكتاب والسنة منهجًا له في شؤونه ، واسناد أمر الفتاوى إلى أهلها كدار الافتاء السعودي وهيئة كبارالعلماء الذين هم تعمقوا في في فهم النصوص الشرعية فهمًا بعيدًا عن التعصب المذهبي والتطرف الديني ،
واليوم يظن البعض أن مسألة الافتاء هي سياسة ، ليست سياسية لأنها اتخاذ عهد مع الله بتبيين الحق ، والله يقول ( الحق أحق أن يتبع ).
من هنا انتشرت الجرأة على دين الله ، لأن الفتوى من غير أهلها ،وما أكثر هذه الظاهرة في هذه الأيام ! ، حتى صرنا نرى العامة تُشَيِّخُ كلَّ من طر عذاره، أو ارتفع في الناس مناره، بله من علا بالوعظ صوته ، أو من أثر فيهم حاله وسمته ، فيتخذ ونه في أمور دينهم مفتيا ، ولحل خصومهم قاضيا ، مما أدى إلى التطور في الدين والافتراء على أئمة المسلمين .
وأخيرًا علينا أن نعلم أن الفتوى لاتصدر إلا من جهة معروفة ثقتها الكاملة ، وكذلك خشيتها لله رب العالمين ، لأن صلاحها صلاح للأمة ، وفسادها فساد للأمة .
إمام وخطيب المركز الثقافي الاسلامي بمدينة درانسي شمال باريس في فرنسا