قد يتعجب أطباء العيون من هذا المرض فهو نفسي لا يتعلق بالمرض العضوي لذلك ليرتاح أطباء العيون فهذا ليس مجال تخصصهم .
أحياناً يحصل خلاف تافه أو بشكل فعلي بين شخصين تربط بينهما علاقة صداقة أو قرابة أو معرفة عمل ، فيقوم أحدهما (بعد الخلاف ) بإحصاء عيوب الطرف الآخر لكي يبرر لنفسه وللآخرين من حوله سبب الخلاف ويرمي الخطأ على الطرف الثاني ، وينسى ويتغافل عن رؤية نفسه وعيوبها وكأنه إنسان ليس له عيوب أو أخطاء .
وأنا لا أخصص مقالة لموضوع ما إلا إذا كان قد انتشر في الوسط الاجتماعي .
لذلك البحث في هذا الموضوع واسع وشائك ومعقّد وحساس أيضاً وسوف أسعى جاهدة للاختصار قدر المستطاع دون أن أهمل لُبَّ المشكلة .
غالباً ما تتسع الفجوة بعد الخلاف بين شخصين إن لم يكن هناك عاقل أو عقلاء يتدخلون لردم الفجوة ، ولكن هذه الظاهرة تحدث يومياً بشكل اعتدنا عليه وخاصة في أوساط التواصل الاجتماعي أو باللقاءات بين الأفراد في مناسبات مختلفة ويتكلم الجميع في المشكلة وسبب الخلاف دون النظر إلى أصل المشكلة وأساسها .
ونبدأ من أصل المشكلة عند البعض غالباً وبشكل تلقائي يبحث عن أخطاء وعيوب من اختلف معه وينسى بأنه هو أيضاً إنسان وله أخطاؤه وعيوبه فالكمال لله وحده ، وتوغله في أخطاء وعيوب الآخرين تبعده عن رؤية أخطاء وعيوب نفسه لانشغاله بشكل دائم بعيوب الآخرين فتصاب نفسه بالعمى الداخلي ... نعم عمى البصيرة فالإنسان على غالباً لا يرى عيوب نفسه وقد يلاحظها شخص مقرب منه وقد يصارحه بها أو يتغاضى بسبب حساسية الموضوع وحرصاً على عدم الاختلاف ، لذلك قال الشاعر الشعبي بيتاً من الشعر في هذا المرض الغير مرئي :
عيوبي في جيوبي لا أراها .... وعيوب الناس أجري وراها
والإنسان الواعي والصادق مع نفسه من الطبيعي أن يبحث عن الأخطاء والعيوب بداخل نفسه ليصلحها ولا يغفل عنها وذاك جاء في آية كريمة بأسلوب عجيب مزج فيها الحق جلَّ وعلا فعل الأمر بالاستفسار فقال : ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) وكلمة : ( أفلا .. ) تجمع بين الأمر والاستفسار والتقريع (حسب الحالة ) لدقّة وصف القرآن الكريم .
ومن أجل الصحة النفسية على الإنسان أن يبحث عن الأخطاء والعيوب داخل نفسه قبل أن يضيع وقته بالبحث عنها في نفوس الآخرين ، ثمَّ يقوم بإصلاحها وقبل ذلك عليه بالتدرب على تقوية بصيرته اتجاه نفسه فهي سريعة التفلت والنسيان ، يُذَّكر نفسه بأنه ابن آدم : " وكلَّ ابن آدم خطاء .. " ولا يقف عند هذا الاعتراف بل يكمل بقية الحديث ليعمل به : " وخيرُ الخطائين التوابون " هذا هو العلاج من العمى النفسي ولا يحتاج إلى طبيب متخصص لعلاجه لأنَّ علاجه ذاتي وبعد الشفاء يجنبون المجتمع كثيراً من الطاقة والوقت التي تُهدر عبثاً بين القيل والقال ونشر الغسيل المتسخ على حبال التواصل الاجتماعي ، وتوجيه هذه الطاقة وهذا الوقت للإنتاج والفائدة وإرشاد الآخرين نحو حياة أمثل وأفضل ليرقى إلى مرتبة إنسان .
بقلم 🖋️ البتول جمال التركي