يمر العالم بحالة ارباك شديد جراء أحداث قلبت موازين الأحكام، فأصبح المألوف شاذاً والعكس صحيح، ليست كرونا وحالة العالم الاقتصادية والسياسية التي يمر بها فقط هي من قلبت الموازين؛ فهي لم تجعل العاقل على وشك أن يفقد توازنه بسبب توالي الأحداث والصدمات.
فجأة ودون سابق انذار نلاحظ أن الأفكار آخذة في التبدل، إذ أصبح ما كنا نؤمن بشذوذه مألوفا، وما كان مألوفا أصبح شاذا، وفِي الوقت الذي نسعى فيه لاستعادة توازننا واستيعاب الأحداث السابقة تتوالى أحداث تجبرنا على التخلي عن مشاعرنا وتعطيل عقولنا.
وقت مستقطع يجب علينا طلبه بشكل عاجل لاستعادة التوازن وتغيير الإعدادات واستحداث أسلحة وأنماط تفكير مختلفة، يجب علينا مسح اجزاء من الذاكرة لاستيعاب الحديث والجديد، الآتي على أعتاب العقل محدثا بعض الضجيج لاقتحامه عنوة.
نستسلم أمام ضوضائه، ونخضع للأمر الواقع ونمحو أجزاء من الذاكرة لاستقبال البيانات الحديثة الداخلة، ونحاول ليس قبولها كما هي لكن لإدخالها للمعالجة وقبول ما يمكن قبوله منها وما يمكن أن يتجانس مع ما بقي في الذاكرة دون إحداث خلل أو تشويه لمنظومة العقل والقيم المتجذرة والتي ترسبت في حناياه وطُبعت على جدرانه، والتي شكّلت السلوك والتصرفات والحركات الإرادية للجسد والأطراف ،وبما يوحي لمن حولنا بأننا بشر أسوياء لدينا الكرامة والحرية والاختيار فيما نؤمن به ونعمل به، ونحدد به الطباع ونكبح به التجاوز على كرامة وحرية الآخر.
لم نستوعب بعد تصرفات الرئيس الأمريكي ترامب (الهوجاء) والمتخبطة شِمالا ويميناً (الممزوجة بالصواب الخطأ، والخطأ الصواب، والعدو الصديق، والصديق العدو) ترامب الذي أتى بعد أوباما وحزبه (الديمقراطي) ؛الذي ألحق الويلات بالوطن العربي وعزز ودعم العدو الإيراني.
جاءت كورونا لتزلزل الكرة الأرضية فتفتح ما هو مغلق، وتقفل ما هو مفتوح وتطيح بالمنظمات الصحية وترص أدوات الشرطة والقمع والجيوش وتطيح بالاقتصادات، وتكسر كلما هو مألوف، وتبعثر الأنظمة المجتمعية والسياسية، وتطيح بالديمقراطية المزعومة، وتدق المسمار الأول في نعش الإمبراطورية الأمريكية؛ لتعود أمريكا إلى حضن التاريخ الذي كان يخيل(لفوكوياما) أنها خرجت منه.
بقيت الحروب كما هي في أماكنها رغم تحور السياسات وزاد الظلم والاستبداد من حكومات العالم ضد مواطنيهم وازدادت حملات الترويع والتهديد بتفشي كورونا وسلالاتها وانتشار أوبئة أشد فتكا وضررا، وأصبحنا نسير إلى الوراء بين أنقاض الحروب والخراب والمرض والدمار؛ بدلا من احترام الكرامة للإنسان وللبشر والحرية والعدل والسلام.
حتى في المناخ لم يسلم من الشذوذ! فهطلت الثلوج في الصحراء العربية! وظهرت في الصين السحب القزحية! وتصحرت أجزاء من الأرض في المحيطات المتجمدة لذوبان ثلوجها! وأثمرت بعض الأشجار والنباتات الصيفية في الشتاء ( مثل التين بنوعيه والتمر)، والشتوية تجدها في الصيف تخرج ثمارها! حتى أصبحنا نرى شتاء في الصيف وصيفا في الشتاء!
أهل الطب أصبحوا يتحدثون في السياسة، وأهل السياسة يتحدثون عن الطب! أهل الدين يتكلمون عن الانفتاح وأهل الانفتاح يتكلمون عن الدين! أهل الحرية يطالبون بتقييدها وأهل القيود انطلقوا بمسمى الحرية إلى التعري والفوضى والهمجية وبجهلهم أطلقوا عنانها.
بايدن رفع شعار الديمقراطية بعد أن اختزل العدل منها، وسوف يحاربها، عين يهودا كثر لكي يمعنوا في محاربة الأديان، وفئات من الأعراق الأخرى والملونين ليحاربهم بها وباسمها، عين الشواذ لمحاربة الحرية والقيم وفرض قيم ليست بشرية ولا إنسانية، يتصنع هدوءا وعقلا لا يمتلكه وحزبا تم تأجيره لصالح جهة (الماسونية) كما يشاع، وجودها حقيقة وأهدافها ومبادؤها أسرار، الناس يحسون بتأثيرها ويشاهدون أفعالها؛ فيما لم يثبت منكروها عدم وجودها، وكأننا في معادلة رياضية (عند حدوث ما يعجز العقل عن تفسيره؛ نعزوه لمجهول).
إنها منظومة القيم الإنسانية والبشرية السوية كما خلقها الله، وبالفطرة التي خلق الله الكائنات عليها، هي ما يجب التمسك به واحترامه والدفاع عنه مهما كلف الثمن، مع فتح المجال للإيمان الحر دون تجاوز لكرامة البشر وفطرته بفرض شذوذ وإقراره وأدلجة البشر قسرا لقبوله؛ تحت أي مسمى وتحت أي مظلة أو حكومة سواء كانت صينية أو أمريكية؛ فنحن أحرار فيما نعتقده وفخورون بإسلامنا ومعتزين بدولنا وقيمنا الإنسانية والدينية، وضد العنصرية والتعصب وفرض ايمانياتنا على الآخرين.