منذ نحو 60 عام سجلت وأذيعت للمرة الأولى أغنية «إلى المروتين» من كلمات الأديب الراحل طاهر زمخشري - رحمه الله - وألحان وأداء الموسيقار طارق عبد الحكيم - رحمه الله - بمناسبة حلول موسم الحج، وهي أحد أهم وأجمل القصائد الوطنية في عصرنا الحديث التي تعبر عن الشوق والحنين للوطن بصفة عامة ومكة المكرمة بصفة خاصة.
وعن قصة مناسبتها قالت خالتي السيدة ابتسام طاهر زمخشري «في هذه الأيام الفضيلة وعند سماعي إلي أهيم بروحي على الرابية تذكرته وتذكرت ذكرياته الجميلة ودروسه الحلوة لي في الحياة، كان المربي والمعلم وانا أعتز بما استفدت منه، مدرستي في الحياة، وهنا اذكر القصة كيف نزل عليه الهام قصيدة أهيم بروحي على الرابية حيث روى لي "كنت في مصر تلك الايام مشغول بطباعة أحد دواويني الشعرية وكنت في دعوة لتناول طعام الغذاء عند المذيعة الاستاذة همت مصطفي وعند بداية الطعام قالت همت يا جماعة كل سنة وانتم طيبين لقد أعلن في السعودية اليوم غرة شهر ذي الحجة. في تلك الحظة شعرت بغصة وألم استأذنت وخرجت مهرول إلي الشارع أمشي في الطرقات ولا ادري الي أين، أنا تعودت أن أكون دايم في الجبال المقدسة في مكة الكرمة، ولا ادري الا وانا في حديقة الحيوانات، اذرف الدمع السخين وكتبت يا ابنتي تلك القصيدة بدموع ساخنة وحرقة لأنني بعيد عن مكة، ولارتباطي مع المطبعة لم استطيع السفر"».
وبالفعل كتب تلك القصيدة في 24 بيتاً شعرياً أرسلها إلى صديقه الحميم الموسيقار طارق عبد الحكيم - رحمه الله - وطلب منه تلحينها وغنائها بمناسبة موسم الحج وبدوره اختار منها 12 بيتاً ولحنها على الدانة الحجازية وغناها بإحساس عالي رقيق عكس من خلاله مشاعر شوق وحنين بابا طاهر لمكة وشجونه لبعده عنها خصوصاً في موسم الحج وأذيعت بمناسبة الحج وأصبحت أغنية خالدة في قلوب عشاق ابداعات الزمخشري الشعرية ولسنوات طويلة اعتادت الإذاعة السعودية إذاعتها خصوصاً في موسم الحج وأعاد تسجيلها الفنان محمد أمان - رحمه الله -
وأعتبر عدد من النقاد قصيدة «إلى المروتين» أحد أهم الظواهر الابداعية في شعر طاهر الزمخشري إذا قال عنها أ.د عبد الله باقازي: «اعتمدت قصيدة: «إلى المروتين» أنموذجاً شعرياً تحققت من خلاله كل المظاهر الشعرية في شعره.. كانت قصيدة «إلى المروتين» - في رأيي - هي قصيدة الاغتراب ومحاولة الوصول إلى «التوازن النفسي» في رحلة الاغتراب المرضية.. كانت الدلالات الثنائية التي تفوقت على الدلالات المفردة تومئ إلى محاولة «التوازن» التي كان الزمخشري يقوم بها....»
وفيما يلي القصيدة كاملة التي نشرها لاحقاً في ديوانه الرابع «أغاريد الصحراء» الذي ألفه في العام 1377هـ/1958م وصدر في 1388هـ/1958م.
أهيم بروحي على الرابيـهْ * * * وعند المطـاف وفــي المروتين
وأهفــو إلى ذكر غاليـــــهْ * * * لدى البيت والخيـف والأخشبين
فيهــدر دمعي بآمـــــــاقيهْ * * * ويجـري لظــــاه على الوجنتين
ويصرخ شوقي بأعماقيــهْ* * * فأرســل مـن مقلتي دمعتــــــين
أهيـمُ وعبر المدى مَعْبـَـــد * * * يُعَلـــق فــي بابـــــه النــــيرين
فإن طاف في جوفه مُسهد* * * وأُلقـــى على ســـجفه نظـرتين
تــراءى لــه شفق مُجهـــد * * * يُــواري سنـا الفجر في بردتين
ولــيس لــه بالشَّجـــا مَوْلِدُ * * * لِمُغْتَــــرِبٍ غَائــــر المُقلتــــين
أهيـــــم وقلبـــي بدقاتـــه* * *يطيـر اشــتياقاً إلـى المسجديـن
وصـدري يضــج بآهاتـــه * * * فيسري صداها على الضفتيــن
على النيل يقضي سويعاته * * * ينــاغي الوجـوم بسمـع وعيـن
وخضـر الروابــي لأناتــه * * * تــردد مـــن شجــوه زفـــرتين
أهيم وحولي كؤوس المنى* * * تقطــر فــي شفتــي رشـــفتين
فأحسب أني احتسيت الهنا * * * لأســكب مــن عذبــه غنوتيـن
إذا بي ألف الجوى والضنى * * * أصـاول في غربتـي شقوتين
شقاء التياعي بخضر الربى * * * وشقوة سهـــم رمانــي ببيــن
أهيــــم وفي خاطري التائه * * * رؤى بلد مشرق الجـــــــانبين
يطـــــــوف خيالي بأنحائه * * * ليقطع فيه ولو خطــــــــوتين
أمـــــــــرغ خدي ببطحائه * * * وألمس منه الثرى باليــــــدين
وألقــــــــي الرحال بأفيائه * * * وأطبع في أرضــــــــه قبلتين
أهيم، وللطــــير في غصنه *** نواح يزغرد في المســــمعين
فيشدو الفــــؤاد على لحنـه *** ورجـع الصدى يملأ الخافقيــن
فتجري البـــوادر من مزنه *** وتبقـي على طرفه عـــــبرتين
تعيـد النشـــــــــيد إلى أُذنهِ *** حنينـاً وشوقاً إلى المـــروتين
https://youtu.be/s1ABKaISvlA