نحن نعيش في هذه الدنيا بين جيلين نودع جيل ونستقبل جيل من مواليدنا .
ونحن الأحياء بين مودع لعزيز ومستقبل لمولود ، وهذه هي سنَّة الحياة فلا أحد مقيم فيها بل كلنا ضيوف عليها .
قبل أيام قلائل خلت وفي الثلث الأخير من تلك الليلة ودعّتُ عزيزاً على قلبي رفيق عمري والأب الحنون الرؤوف لأبنائي بعد عشرة دامت اثنتان وأربعون سنة خلت ، في تلك الليلة كنا بالمشفى ، وهو على سرير المشفى أمسك بيدي وأوصاني وصايا عديدة وذكر لي ما يراه في تلك اللحظة وقال لي حكماً بالغة فقد رأى مقعده عند مليك مقتدر ، وأدركت يقيناً بأنه يرى العالم الآخر والأنوار الربانية وغادر دنيانا وهو يتلفظ بالشهادتين ويكررها .
رحم الله ذو القرنين فقد كان رجل بمعنى الكلمة أباً عطوفاً هادئاً وزوجاً يحترم ويقدر زوجته ، وكان مضيافاً كريماً يفتح للضيوف قلبه قبل بيته ويحتار في خدمتهم ولا يقبل من أي أحد من معارفنا وأقربائنا أن ينزلوا في فنادق بل كان يصرُّ عليهم بالنزول في بيتنا سواء أكانوا من أهله أو من أهلي .
رحم الله ذو القرنين فقد كان سبَّاقاً في نجدة الملهوف ومساعدة الفقير والمحتاج وله مواقف لا تعد ولا تحصى في ذلك ويشهد له القاصي والداني يده ممدودة بالخير للجميع والأهم من كل هذه المحاميد التي تحسب له ، لم أسجل له ولو بالخطأ أنه تلفظ في حق مخلوق بكلمة واحدة بل كان إما أن يمدح أو يصمت وفوق ذلك فقد كان يستنكر من يتكلم عن آخرين في غيابهم ، وكان حليماً يكظم غيظه ولا يرد على أحد أساء إليه بل كان مسامحاً لمن أساء إليه .
رحم الله ذو القرنين الزوج العظيم البّار العطوف المثالي ليس لي فقط بل لجميع أسرته وتعدى ذلك أيضاً فلست أنسى له مواقفه في مرض والدي يرحمه الله فقد كانت يده فوق يدي في إطعامه وتنظيفه وتقليبه وقد بلغ أبي من العمر عتيّا ، ووقفته أيضاً مع والدتي في مرضها الأخير وطوال حياتها فقد كانت بمثابة أمه بالاحترام والتقدير والتبجيل .
رحم الله ذو القرنين فقد فقدتُ أنيساً وادعاً وسنداً عظيماً كان يشعرني بالأمان ، وكان زوجاً موفقاً سطرنا أنا وهو ذكريات سنين خلت بحلوها ومرِّها بفرحها وحزنها بانسجام تام مع التغاضي عن سفاسف الأمور .
أسأل الله العلي القدير أن يتقبله بقبول حسن وأن يكرمه بواسع كرمه فقد كان كريماً وأسأل الله تعالى أن يلهمنَّا الصبر على مصابنا أنا وأولادي وبناتي فقد ودعنّا نور بيتنا لا يسعني أن اكتب فيه مجلدات تؤرخ تاريخه الحافل بالتضحيه والعطاء والطيبه والذوق العالي سيلهج لساني بالترحم عليك يا رفيق العمر حتى يأخذ الله وداعته ولا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم ...
اللهم أكرمه كما اكرمني وارفع قدره كما رفع قدري واجعله بصحبه النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الاعلى اللهم وأجعل ما مر به من مرض وتعب في ميزان حسناته انك على ما تشاء قدير وبالاجابه جدير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين