( منارة نور العلم )
عندما تنطفئ شعلة نور في ظلمة ليل بهيم فإنه يصعب على سالك الطريق تكملة طريقه ، فكيف إذا انطفأ نور المنارة على ساحل البحر الذي يدلُّ السفن على الميناء ؟ وفجر أمس انطفأت منارة نور العلم التي كانت تدلُّ على طريق الله وصراطه المستقيم . عرفتُ هذه العظيمة الدكتورة العالمة والعاملة فاطمة نصيف ، منذ ثلاث وثلاثين سنة أو أكثر قليلاً وأنا إحدى تلميذاتها سقتني من نور فكرها وفقهها الكثير الكثير رحمها الله .
كان رداؤها التواضع وحجابها الصدق ولسانها لا يعرف إلا طيِّب الكلام ، استقت نهجها من القرآن الكريم إيماناً وخلقاً ومعاملة ، وتوضأت بسنَّة خير الخلق صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، صحبتها دهراً فلم أسمع منها ولو مرة واحدة كلمة : ( أف) أو تذمر أو تشكّي بل كانت رمزاً وقدوة لكل من أرادت أن تتعلم الحلم والعلم والإيمان ، نذرت نفسها ووقتها وحظوظ نفسها لتعليم الأجيال كتاب الله ولم تكتفي بذلك بل دلَّتهم على طريق الحق والعمل به ، أخلاقها ليست تصنعاً في موقف ما بل كانت سجايا طُبعت فيها وقد زادها الله من كرمه علماً وحلماً ورقيّاً وأخلاقاً .
لن أكون منصفة لو اكتفيت بمقالة من عشرات السطور لوصف بعض سناياها وأخلاقها بل تحتاج الدكتورة فاطمة نصيف كتاباً كاملاً ولعله لا يكفي .
بإذن مولاها وخالقها انطفأت مشكاة النور والعلم ونحن بأمسِّ الحاجة لتوجيهاتها ، لكنها تركت وراءها آلاف مؤلفة من تلميذاتها من داخل المملكة وخارجها ، وأيضاً ورث العلم منها أبناؤها وبناتها .
رحلت العظيمة وتركت وراءها قلوباً حزينة باكية بحرقة على فراقها ، وكيف لا نبكي على فراقها وهي التي وهبها الله تعالى حبّه وزرع حبها في قلوب عباده ، إنها ممن جاء ذكرهم بالحديث القدسي : " ياجبريل إنّيّ أُحب عبدي فلان فأحببه فينادي جبريل في السموات والأرض : أنَّ الله يُحبّ عبده فلان فأحبوه " .
اللهم قدمت إليك الدكتورة فاطمة ويشهد لها القاصي والداني بصدقها وإخلاصها وكرمها وعفوها ولين معشرها ومن شهد عليه خلقك بالحسنى أوجبت له الحسنى وها نحن نشهد بأنها أدتْ واجبها كما أمرت يا إلهي فكانت ممن قلت فيهم : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية وادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) جعل الله مثواك الفردوس الأعلى ياحبيبة القلوب المؤمنة .
بقلم : البتول جمال التركي