تعزيزا للعلاقات التاريخية والشراكة الاستراتيجية بين المملكة والصين ، وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ـ حفظه الله ـ دعوة للرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارة المملكة ، ترجمة للعلاقات الدبلوماسية المميزة التي تشهد تطوراً مميزاً ووثيقاً ، وتسير بوتيرة متسارعة نحو المزيد من التعاون والتفاهم المشترك بينهما في مختلف المجالات بما يعود بالنفع على البلدين والشعبين الصديقين.
ومع بدء زيارة الرئيس الصيني أخذت أقلب في صفحات الكتب والمراجع باحثا ومنقبا عن العلاقات التي جمعت الدولتين ، والنتائج الإيجابية التي جناها مسلمو الصين ، فوجدت أن العلاقات بين البلدين قديمة وبدأت قبل أكثر من ثمانين عاماً، من خلال علاقات تجارية بسيطة ، ولعبت خدمات الحجاج الصينيين دورا بارزا في تطورها حتى وصولت إلى شكلها الرسمي عام 1990م حينما تم الاتفاق بين البلدين على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما وتم تبادل السفراء وتنظيم اجتماعات على المستويات السياسية والاقتصادية والشبابية وغيرها.
والحديث عن دور الحجاج في بناء علاقات تجارية بسيطة مع الصين يقودنا للتعرف عن بدايات دخول الإسلام للصين والذي كان عام 641 م في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، حيث أرسل أول مبعوث مسلم إلى ساحل الصين الشرقي ، ثم انتشر الإسلام من هناك إلى الداخل الصيني ، متأثرا بالبعثات التجارية التي كانت تربط الصينيين بالمسلمين .
ولم يكن السفر من الصين إلى مكة المكرمة في الماضي ميسرا كماهو الحال الآن ، ففي القرن الثالث عشر الميلادي كانت هناك العديد من الصعوبات ، فإضافة للفترة الزمنية التي تتجاوز الشهرين فإنه ينبغي على الراغب في الحج التنقل بين عدة مدن ، وهذا ما ذكره المؤرخ الصيني جو كوا بقوله : " إنه يمكن السفر عن طريق ميناء مرباط في حضرموت إلى مكة والمدينة، ويستغرق السفر شهرين وعشرين يوما " .
وفي أربعينيات القرن التاسع عشر الميلادي ، كان حجاج الصين ينضمون إلى القوافل التجارية فينطلقون من غرب مقاطعة يونان، وهي مقاطعة غير ساحلية تقع في جنوب غرب الصين الشعبية متسلقين الجبال، عابرين الأنهار الضخمة التي تعترض طريقهم ، ثم يستقلون بعدها سفينة في نهر إراوادي من مدينة ماندلاوي عاصمة مملكة ميانمار وقتها ، هي ثاني أكبر مدينة وآخر عاصمة ملكية لدولة بورما ، ثم يستقل الحجاج سفينة تبحر بهم متجهة صوب الغرب.
وتحدث العديد من الرحالة والمؤرخين الصينين عن مكة المكرمة فذكر ما هوان وهو مترجم صيني وصل مكة المكرمة عام 1432 م ، " وأقام بها عدة أشهر أثناء عمله في رحلات أسطول الكنز الاستكشافية التي أمر بها الإمبراطور الصيني يونج لي، وصف مكة المكرمة ببلاد المربع السماوي قاصدا فيها الشكل الرباعي للكعبة، وذكر أنها على مسيرة يوم واحد باتجاه غرب جدة، وكان تحديده للاتجاه خاطئا وملتبسا عليه ، كما ذكر بعض صفات أهلها وتحدث عن حرارى جوها " ، كما ذكر المؤرخ الصيني فاهسين مكة المكرمة عام 1520م، من خلال المخطوطات التي كتبها .
وبعد أن انتهجت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، ومع نمو الاقتصاد الصيني بمعدلات عالية وتحسن مستوى معيشة الصينيين المسلمين ، زاد عدد الحجاج القادمين من الصين خاصة بعد أن بدأت السلطات الدينية في الصين تنظيم أفواج الحج رسميا، وأقامت الجمعية الإسلامية الصينية هيئة متخصصة لتعزيز قيادة وإدارة أعمال الحج، وبعثت في موسم الحج هذا العام وفد عمل وفريقا طبيا
لتوفير الخدمات وضمان سلامة الحجاج الصينيين.
وما قامت وتقوم به الحكومتان السعودية والصينية في مجال تسهيل الحج والإجراءات الرسمية انعكس إيجابا حيث سجلت الإحصائيات ارتفاعا في أعداد الحجاج الصينيين تجاوز العشرون ألف حاج وصلوا إلى المملكة عبر طائرات خاصة ، بعد أن كان عددهم لا يتجاوز المائة حاج يعبرون عدة دول حتى يصلوا إلى مكة المكرمة .