ربما لم تمر منطقتتا باوضاع جيوسياسية معقدة مثلما هو الحال الان منذ انتهاء السيطرة العثمانية ومرحلة الاستعمار المباشر.
وظيفة الفاعلون في السياسات رصد وتحليل المتغيرات السياسية والتحولات وكذلك التفاعل معها وعدم الانعزال عن مجريات النظام الدولي القائم رغم كل الماخذ عليه. نحن امام مشهد لصراع دموي بين امريكا واوربا من جهة وروسيا وحلفاءها القلة من حهة اخرى ولهذا الصراع مخاطر جمة على منطقتنا العربية وبدات شظاياه تتناثر على رؤوسنا او بقربنا وما تداعيات ازمة الطاقة الا وجه من اوجه هذا الصراع ، ثم ان الذي من اولويات العرب والخليج العربي خصوصا الان وفي المستقبل هو كيفية درء الخطر الايراني المحيط بدولنا العربية وقد لاحت فرصة تاريخية للتخلص من نظام ولاية الفقيه علينا ان نبذل كل جهد وتنسيق لعدم اضاعتها بمختلف الوسائل العلنية أو السرية فمثل هذه الفرص ربما لا تتاح إلا كل اربعة عقود من الزمن.
النظام الايراني ان سقط سوف تشهد المنطقة استقرارا وامنا وازدهارا تاريخيا ولذا فمهمة صانع القرار هو الاستفادة من البيئة الخارجية وتوظيف عواملها لصالح حشد الإعلام والمواقف الغربية والامريكية باتجاه تسريع انتفاضة الشعوب الايرانية والتي تقود هذه الانتفاضة الجبارة نساء ايران وتستحق ان تدعى بثورة النساء.
ليس مطلوبا رفع حالة الطواريء او اعلان مواقف سياسية مستفزة لحكم الملالي فحسب انما تنشيط الاعلام والمنظمات الدولية والحقوقية وبرلمانات اوربا والتي تحركت فعلا فلاول مرة تقوم سبعة وزيرات خارجية في اوربا بقص شعورهن تضامنا مع ثورة نساء ايران.
لا يختلف اثنان على اهمية ودور الولايات المتحدة الامريكية في صنع القرارات العالمية مثلما اشار لذلك ضمنا السيد عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي ومع كل مساويء ادارة بايدن تبق امريكا الدولة العميقة التي ترسم سياساتها وخططها دوائر ومؤسسات لذا ينبغي عدم استفزازها في ملف الطاقة لانها اصلا حليف استراتيجي لدول الخليج العربي منذ سبعة عقود والنظر الى روسيا دولة صديقة ولكن ليست بحجم تاثير امريكا واوربا فاستطيع ان اصف روسيا بدولة افراد وما نراه من اجسام سياسية ودستورية هي صورية والحاكم الفرد بوتين ان سقط لاي سبب ستنهار روسيا وتضعف مثلما حصل عند وفاة السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي القوي اندربوف خلفه زعيم ضعيف غورباتشوف فكك الاتحاد السوفيتي السابق واكمله الرئيس السكير بوريس يلتسن.
صحيح ان بوتين زعيم قوي اعاد وهج وقوة روسيا إلا ان نتائج حربه في اوكرانيا لم تكن بمستوى توقعات الخبراء العسكريين لا قوة السلاح ولا فعالية الافراد فهل يعقل ان روسيا تستعين بطائرات مسيرة من عمائم ايران!!!.
روسيا حليفة قوية لايران وليس بمستوى علاقاتها مع العرب فهي ستقف الى جانب ابقاء النظام الايراني وهذا لا يخدم متطلبات امن المنطقة ثم ان غياب بوتن لاي سبب سيضع روسيا في وضع صعب جدا والحرب طالت والراي الانجع التفاهم وعدم الاصطدام مع الغرب وامريكا في ملف الطاقة لان هذا الغول توحش ويمكن ان تلجا مؤسسات أمريكية مثل الكونغرس او وزارة المالية أو حتى البنك الفدرالي الى تشريعات او قرارات تجميد اموال أو عقوبات أو فتح ملفات تلحق ضررا بمنطقتنا سوف يستفيد منها الحكم الايراني فقط.
مزيدا من الحكمة وقليل من البراغماتية اسلوب ناجح في تصريف السياسات لان المتغيرات سريعة وخطيرة.
يذكر حامد حمادي سكرتير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين رحمه الله في مذكراته غير المنشورة ان الرئيس تلقى برقية من اخيه الراحل برزان التكريتي وكان وقتها سفيرا لدى المقر الاوربي للأمم المتحدة تفيد بان لديه رسالة جد مهمة من جهة مهمة يطلب ارسال شخص موثوق من بغداد لتسلمها وفعلا وضعت المغلف والرسالة امام الرئيس صدام وكان مضمونها اختصارا انتم الان في اواخر عام ١٩٨٩ خرجتم باكبر رابع جيش في العالم وتمتلكون قدرات وخبرات قتالية مهمة واسلحة فتاكة نحن لا نطلب منكم شيئا سوى ان تتركوا قضية فلسطين وموقفكم المتشدد منها وسوف نترك لكم زعامة العرب والشرق الأوسط!!
يقول حمادي عاد البريد مهمشا بالحبر الاحمر بخط صدام(لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي لن اعدل عن هذا الامر). وكان في مكتبي متواجدا احمد حسين رئيس الديوان ولما قرانا هامش الرئيس قلنا بصوت واحد ذهب العراق..وبقية القصة معروفة.
.
.
.
.
.
* كاتب واكاديمي من العراق