توقفت بسيارتها امام باب المركز
وهي تتحدث مع أختها هاتفيا:
نعم.. أعتقد أنني وصلت ، مكتوب مركز الياقوت فعلا .. جيد ..
انتهي منهم وسأعاود الاتصال بكِ شكراً.
ترجلت من السيارة ..
ثم طلبت من أحد المساعدين الواقفين أمام بوابة المركز لخدمة الجمهور بأن يساعدها في دفع عربة الكرسي المتحرك نحو الباب الأمامي من السيارة وذلك كي تستطيع انزال أمها منها، وبالفعل تم ذلك وانطلقت صوب المركز والعامل خلفها دافعا الكرسي المتحرك الذي تجلس عليه أمها ..
لم يستمر الوضع كثيرا فسرعان ما وصلا إلى مكتب المدير العام ..
دخلت المرأة والمساعد..
شكرته وهي تدفع ببعض النقود من حقيبتها اليدوية إليه..
استقبلتها المديرة بابتسامة.. من اعتاد على رسمها كونها تمثل خدمة العملاء والنزلاء ..
لم تُطِل المرأة الصمت ..
قائلةً: حضرت هنا لما عرفته عن مركزكم من سمعة جيدة في هذا المجال الراقي والحضاري والعصري ..
قاطعتها إمرأة كانت تجلس بجوار المدير العام قائلة لها: اهلا بك نحن هنا منذ ٣٥ عاماً
بدأنا بعشرة غرف فقط !!
والآن نحن لدينا ١٢٠ غرفة و٤٠ جناح خاص ونعمل على توسعة ثلاث مراكز أخرى في قطعة الأرض المجاورة !!
ومن المتوقع الانتهاء منها خلال ١٨ شهرا إن شاء الله ..
وأضافت ..أعذريني على المقاطعة
فأنا صاحبة المركز وهذه حفيدتي اصبحت الآن هي المدير العام وأنا وأمها وبعض خالاتها فقط مستشارات لها في مجلس المركز ..
وللعلم اسم المركز على اسمي اهداني اياه ابي رحمه الله عندما تخرجت من كلية الطب تخصص علم نفس ، ومنذ ذلك الوقت والمركز يقدم خدماته ..
عادة المرأة: آه أهلا (بابتسامة صفراء) ، ثم نظرت إلى المدير العام مستفهمة هل اجد جناح متاح الآن فأنا على عجل ولدي سفر خلال أيام
عادت د. الياقوت :
مقاطعتها في الحديث قائلة:
حاليا لا توجد اجنحة متاحة ، ولكن المتوفر غرفة تم اخلائها امس (قالت ذلك وهي تنظر إلى حفيدتها لتومئ برأسها بصدق العبارة)
عادت المرأة تقول: جيد لا باس سآخذ الغرفة، كم السعر؟ ..
فأجابت المدير العام: التفاهم المالي مع قسم الاستقبال في المكتب التالي هذا المكتب، يمكنك زيارتهم وحجز المدة التي ترغبين..
كل هذا الحديث دار ..
والمرأة التي تجلس على الكرسي المتحرك لم تتفوه بكلمة بل وما كادت عينيها تقف من الدموع وكأن الحزن وشاح التحف وجهها الحزين مع علامات السنين ..
خرجت المرأة وهي تدفع الكرسي المتحرك شاكرة حُسن الاستقبال متجهة إلى مكتب الاستقبال لإكمال الاجراءات المتبقية..
عندها..
سالت الحفيدة جدتها ..
هل تعرفين المرأة يا جدة ؟
قالت : لا
ولكني اعرف المرأة التي كانت على الكرسي المتحرك ..
قبل ثلاثون عاما
حضرت هنا وهي تسند أمها التي كانت تمشي بعصا وظهرها محدودب..
حضرت تطلب مني غرفة لأمها لأن البيت أصبح صغيرا ولا يسع البيت الأطفال والأم .. ومنذ ذلك اليوم لم نشاهدها فقد كانت تكتفي بدفع الرسوم السنوية لدى الصندوق وتمضي ..
فلا أمها زارت ..
ولا عن حالها سألت..
هل تعرفين يا حفيدتي ..
لماذا عرفتها رغم مضي هذه السنين؟
لانها كانت السبب في أن الحق بالمركز غرفة تغسيل الموتى ..
فحتى عندما اخبرناها بوفاة أمها اعتذرت عن الحضور لانشغالها خارج المدينة ..!!
وها هو الزمن يعود ..
فالجزاء من جنس العمل ..
اعلمي يا صغيرتي ..
أنك في هذا المركز ستشاهدين بصفة مستمرة وعلى مر الأيام كيف يسدد البشر دين العقوق ..
هنا فقط ..
الحكايا والقصص
عن عقوق وتنمر وافتراء ودنس
من هنا تبدأ..
أولى خطوات الحساب ..
وكذا أدوية الاكتئاب..
على مر الأعوام
شاهدت صورا ..
تشيب لها الرؤوس ..
وتدمع لها المآقي ..
وتقف الألسن إلا عن لهج لا حول ولا قوة إلا بالله..
قاسية هي القلوب لا الأيام
وخالية من المشاعر ..
مليئة بالآلام ..
بدأ المجتمع بحجة صغر البيت ..
والآن مع تطور الحياة أصبح عدم التفرغ بداعي السفر وبين السبيبن أسباب ..
وكله دَين ..
وسترين من أحضرت أمها بالعربة
سياتي بعد حين من يأتي بها..
ولا عجب !!