أن الزواج سُنة من سنن الحياة، وفطرة فطر الله عز وجل الإنسان عليها، وسُنة من سُنن الأنبياء والمرسلين، لأنه عقد من أسمى العقود وُسمي "الميثاق الغليظ" في القرآن الكريم، للدلالة على شأنهِ العظيم، ووضع العديد من الحقوق لضمان نجاحه بين الزوجين، وضمان استمرارية الحياة، وأساس بناء المجتمع، وتكاثر النسل، فإن صلحت اللبنة الأولى صلح المجتمع، وهو حُلم لكل رجل وامرأة من أجل الاستقرار النفسي والعاطفي وشراكة حقيقة بين الزوجين لينعموا بحياة سعيدة.
فالحمد لله القائل عز وجل (وجعلنا بينكم مودة ورحمة) تلك هي القاعدة الكبرى التي تقوم عليها أساس بناء الحياة الزوجية، لتحقيق غاية مهمة إلا هي: سُكنى الزوج لزوجته والزوجة إلى زوجها من خلال الاستقرار المودة الرحمة والسَّكن فإذا فُقدت تلك الأشياء لا بد البحث عن سر هذا الفقد، وهذا ليس معناه أن لا تقع مشاكل بينهما لكي لا يفقدوا تلك الأساسيات، فلا تخلو البيوت من المشاكل والشقاق بين الزوجين، ولكن إذا تمسكا بتلك القاعدة الربانية فإنها تحد بإذن الله من التصدع الزوجي ومن تخطي العقبات لتصبح حياتهما مباركة إما إذا تعاندا كلا منهما الآخر فتؤدي إلى عواقب وخيمة وتشتت كيان أسرة مما يؤدي إلى الطلاق الذي يعتبر من أبغض الحلال عند الله عز وجل.
الجيل الذي قبلنا كانت تسير حياتهم رغم الصعوبات والمنغصات والمشاكل ويصبر كلا منهم على الآخر ويتمسكون بحبل الزوجية من أجل الأبناء، أو إرضاء الوالدين أو لظروف خارجة عن إرادتهم، وكان مفهوم الطلاق غير وارد إلا للضرورة ويعتبر مخالف للعُرف والعادات والتقاليد.
فما بال بعض شباب اليوم أصبحت ظاهرة الطلاق بينهم منتشرة كانتشار النار في الهشيم لأتفه الأسباب، أليس هم من يطالبون بالرؤية الشرعية والمحادثات الشاعرية، وتبادل الهدايا وبعد دخول الحياة الزوجية يبدأ الشقاق حتى أصبح البعض يُطلق بعد عقد القران، أو بعد الزفاف، أو أثناء "شهر العسل"، وحتى لو بعد شهور أو أكثر وسبب الطلاق غير مقنع جدًا.
فأين تلك الوعود وأين الهدايا والمحادثات وأين أحلام عش الزوجية التي تبخرت؟
لماذا العجلة وعدم التروي والتأني في اتخاذ هذا القرار، لأن "معظم النار من مستصغر الشرر"
وما هو مفهوم الحياة الزوجية لديهم هل هو السفر والهدايا والتسوق والمطاعم أو سيطرة كل منهما على الآخر!
إنها ليست كذلك بل هي سكن ومودة ورحمة وشراكة ويساند كل منهما البعض على أعباء الحياة من أجل تسير سفينة الزواج بكل أريحية رغم هبوب بعض العواصف وتعكر صفوها، مع العلم لا يوجد هناك مانع من الترفيه لقتل الروتين الزوجي، ولكن ليست هي الأساسيات بل هناك أمور أهم منها بكثير.
كان من المتوقع انخفاض نسبة الطلاق مع التطور التقني وظهور برامج التواصل والسوشال ميديا والانفتاح حول العالم وظهور برامج توعوية للشباب عن الزواج وأهدافه، مع الأسف ازدادت نسبة الطلاق بشكل واضح.
فما الخلل الذي أدى انتشار هذه الظاهرة وتفشيها في المجتمع! ما الذي جعل كفتي ميزان الزواج تتأرجح!
إن دور الأبوان هام جدًا بتقديم التوجيه والنصح والإرشاد بأن الزواج مرحلة مهمة من أهم المراحل في حياة الإنسان سواءً ذكرًا أو أنثى؛ إذ يبدأ فيها حياة جديدة تختلف عما كان عليه يوم كان عزبًا، وذلك بسبب خبرتهما وتجربتهما في الحياة الكبيرة بحيث لا توزن تجربتهم بتجربة أبنائهم، ونعلم أن عاطفة الأبوين نحو أولادهم عاطفة متوهجة، حيث يسوء الأبوان ما يسوء فلذة أكبادهم، ويفرحون من سعادة أبنائهم، لكن لا بد من النصائح القيمة والوصايا النافعة التي هي ثمرة خبرتهم وخلاصة تجاربهم، لأن الزوجين سيفاجأ في هذه المرحلة الجديدة من حياتهما بأمور ما كانا يتوقعونها، وهذه المرحلة إذا استمرت ستكون أطول من المرحلة التي قضاها كل منهما في بيت والديه.
فلا بد كل من الزوجين تجنب تفاقم الخلافات الزوجية، وأن يتحلى بالصبر، ومحاولة فهم وجهات نظر بعض، وتقبل كل منهما الرأي ، والاعتراف بالخطاء، وتقديم تنازلات وكسب كل منهما قلب الآخر وليس توجيه الاتهام لبعض بأن الخلل مقصور على أحد منهما، بكل أسف بعض الآباء يعلقون شماعة الخلافات على أحدهما بدون تروي وبحث وتقصي قبل أن يقدم أحد من أبنائهم للزواج مرة أخرى مما يسبب في طلاق ثان وثالث.
عادة أسباب الطلاق تكون بسبب تدخلات الوالدين أو الاقارب أو الأصدقاء، أو اختلاف الطباع، أو الغيرة الزايدة، أو سوء الاختيار، أو المعاملة السيئة أو البخل المقيت، لكن الطلاق المبكر الذي يتم بسرعة ويسبب صدمة كبيرة للوالدين وللأسرة هنا يقف دور الأبوان موقف حازم لمعرفة السبب ومن المتسبب وما الخلل الذي أدى وقوع الفجوة بين الزوجين باحتواء المشكلة وإيجاد الحل المناسب والتقارب بينهما، ومساعدتهما على مواجهة الصعوبات والضغوط والتحدِّيات الحياتيَّة بشكلٍ أفضل.
الحياة الزوجية ليست لُعبة عند أول شرارة يتم الطلاق دون النظر إلى عواقب تلك الكلمة التي تؤدي لمشاكل نفسية وتشويه سمعة ونظرة المجتمع الذي لا يرحم وخصوصًا المرأة المُطلقة حيث تَحُوم حولها التساؤلات ونظرات الشكك التي لا تهاون فيها ولا رحمة حيث تؤثر على مستقبلها وعلى حالتها النفسية والاجتماعية، ولم يفكروا بمشاعر الأبوين وما يعانيان من تعب نفسي وصحي من أجل فلذة كبدهما مما تعرضت له من آثار الطلاق.
لا بد أن يعي الجميع أن الطلاق من أخطر المشكلات الاجتماعية التي تهدد استقرار الأسرة والمجتمع وشرعه الدين الإسلامي لاستحالة استمرار الحياة الزوجية بين الزوجين وليس كل من هب ودب يتزوج وقت ما يشاء ويطلق وقت ما يشاء.