خلافاً لما هو معروف ومعروف ومسلَّمٌ به في المجتمع الإنساني بأنَّ الإنسان إذا استنفذ آخر نفس له في هذه الدنيا فإنه يموت ويصبح ذكرى ولم يعد موجوداً بين الأحياء .
ولكن هناك أشخاص (بعد موتهم ) لم تمت ذكراهم ، وهناك صنف آخر أيضاً بعد موته لا يموت وهم الشهداء لقول الله تعالى : ( ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ) إذاً كان الموت للشهداء هو انتقال فقط من دار الدنيا إلى دار الحق والموت بالنسبة لهم مثل الذي سافر بالطائرة من جدة إلى واشنطن ونام أثناء الرحلة فقد كان في جدة وبعد أن قام من نومه وجد نفسه في أمريكا .
وهناك فئة أخرى لا هم بالشهداء ولا هم غير ذلك إذا ماتوا ودفنت أجسادهم تحت التراب يبقون أحياء ولكن في قلوب محبيهم ولا يموتون بل يقوم محبيهم بإحياء ذكراهم بشكل دائم وكأنهم أحياء بينهم ، فأين يكمن سرّ هذا الفعل ؟ إنه الحب الصادق الحقيقي الذي لا يعترف بالموت ولا ينتهي ذلك الحب بالموت أيضاً بل يبقى خالداً ولو فرّق الموت بين الأحباء سوف يبقى المحب وفيّاً لمحبوبه إن كان أباً أو أمّاً أو أخاً أو أختاً أو قريب أو زوج أو ولد سوف يبقى مخلداً في قلب من يحبونه وتكون قلوب محبيه كالشمس تشرق عليه كل يوم .
وأما من مات ونسيه أهله وأحبابه وتلاشت ذكراه فقد طويَّ في كتاب النسيان مرتين الأولى بالموت السريري والأخرى بنسيان أحبته له وانشغالهم بهموم الدنيا ورغباتها .
ومن منَّا لم يفقد غالياً وعزيزاً على قلبه ؟ ولكنه لم يفقد مكانته فهو حيٌّ في قلوبنا لأنَّ الحب حياة أخرى لا يعرف معناها إلا من كان محباً مخلصاً وفيّاً ويكون حبه راسخ رسوخ الجبال فمن كان محبوباً بهذه الصفة فهو السعيد الخالد الذي لا تموت ذكراه .
اذكروا أحبابكم لأنَّ ذكرهم يحييّ قلوبكم ويحييهم أيضاً ولا تجعلوا من قلوبكم قبوراً لهم بل اجعلوها جنة لهم .