يتردد مصطلح نظرية المؤامرة بين وقت وآخر (وهي التي تعني أن هناك أشرارا يعزى لهم السبب لوجود حدث ما أو مصيبة أو كارثة، وهي مشجب تعلق عليه الأخطاء في حال الشك في التأويلات وعدم معرفة للحقيقه).
في علم النفس السيكولوجي تسمى -إسقاطا- وهو التفسير الأقرب لعكس العيوب التي في سلوك الشخص كهجوم لاشعوري للدفاع عن النفس وإلقاء الملامة على الآخر، كلا الموضوعين متشابهين ومتقاربين في التبرير والدفاع، نحن العرب لدينا مثال واضح وموضوع دائما ما يتكرر في المجالس والمحافل والخطب وما يكتب عنها ويحتدم النقاش فيها بشكل مستمر على مستوى الأفراد أو الجماعات أو حتى الدول وهو: حالة من الضعف والخنوع والتشتت التي تعاني منه معظم الدول العربية والإسلامية، وأسباب تأخرها وأسباب تقدم الغرب علميا وتكنولوجيا وعسكريا واقتصاديا.
أصحاب نظرية المؤامرة يعزون ذلك إلى المكايد التي تحاك حول الإسلام والحرب عليه، وما خلفه الاستعمار من قمع وتجهيل وتخلف في المجتمعات، وسياسة ابقاء الحال على ماهو عليه أبان سيطرة الاستعمار على دول العالم الثالث ومن ضمنها الدول العربية والإسلامية، وهذا ما يقوله حتى كتاب الغرب المستشرقين ومنهم على سبيل المثال: أستاذ مادة العلاقات الدولية بجامعة لندن (فريد هاليداي) في أكثر من موقع من كتبه التي تدور مواضيعها حول الإسلام وعلاقة الغرب بالدول العربية والإسلامية، وغيره كثير من المستشرقين ممن هم قبله أوبعده.
لقد ثبتت -للأسف- صحة نظرية المؤامرة تاريخيًا بعد انقضاء بعض الاحداث، لكن ما يعيبها هو الارتكاء والتبرير، ودافعها العاطفي واللا شعوري هو ما يضعفها، إضافة لصعوبة إثباتها ووهن حججها، وتنشأ وتكبر نتيجة للشك وعدم الثقة بالآخرين ولوكانت سلطات رسمية.
ولكن ليس من حيلة لدى من يؤمن بالمؤامرة إلا النظرية نفسها كاعتذار عن انفسهم، إنهم يعولون على الأسباب التي أدت إلى ذلك وأجبرتهم على الايمان بها، إذ كيف أتعلم وأنت تحارب تعليمي أو تمنحني علوما تؤدي في النهاية إلى إصابتي بانغلاق فكري لا يمنحني إلا التخلف والتعصب الأعمى؟! كيف أرفع رأسي وأنت تجثم على صدري؟! كيف أغتني وأنت تسلبني مالي؟! كيف أبصر الحقيقة وأنت لا تصدُقَني القول؟! كيف أرى وأنت تطفئ الشموع؟! كيف أتكلم وأنت تكمم فمي؟!
وما يعززها حتى تتبين بشكل مرضي لدى من يؤمن بها كثرة الشكوك والبحث الدؤوب عن الحقيقة، وضرورة ايجاد تفسير منطقي للحدث أو للكارثة حتى ولو كان وهما أو خيالا -طبيعة بشرية- الاستكشاف والبحث عن الحقيقة ،ينظرون إلى النتيجة ويغضون النظر عن الأسباب، ويعزونها لغير الحقيقة بايجاد أسباب أخرى ولايحسنون الظن بالآخرين ونواياهم، ويجلدون ذواتهم وذوات الغير، غير أن استخدام النظرية قد يكون إلزاماً بشكل غير مباشر من الجهات التي تمتلك الحقيقة عن طريق إخفائها وترك التأويلات تاخذ مجراها في غياب الحقيقة.
وجود قوى خفية مفترضة مثل :الماسونية والصهيونية العالميتان (النظرية أوجدتها، وأكثر الناس ينكرونها)، حتى من ينكرها يعترف بنتاجها وأثرها منذ زمن.
عند غياب الحقيقة ستدوم وستكبر نظرية المؤامرة، لكنها تختفي عند ظهور الحقائق، أما المستقبل فمجهول في غيابها.
الان أعتقد ان الحقيقة بدأت بالظهور شيئاً فشيئاً لآننا على وشك أن نرى العولمة ستنتهي ومعها تنتهي سياسة القطب الواحد، وهذا من المبشرات السارة التي بدأت تتضح ملامحها، وستحلّ القوميات بدلاً من العالمية، لكنها قوميات متحررة ليس فيها تعصب لمذهب أو دين أو لعرق أو سحق للأقليات، ستكون الحرية الفردية مقيدة بعدم انتهاك حرية الأخرين، لن يكون هناك حماسا دينيا أو عرقيا أو قبليا وسينتهي الاضطهاد، ستتوحد بعض القوى مع بعض للتعاضد سلمياً، وستتحول الأنسنه من الشعارات والتنظير إلى التطبيق الفعلي، وستنتقل المنظمات الدولية من أدوات ممارِسة للقمع والتنكيل والسيطرة وسوط للقطب الواحد إلى منظمات مهنية فاعلة، كل هذه المبشرات ستصبح في صالح البشر والإنسانية؛ سواء بعد أزمة ما أو حتى حرب ما يبدؤ انها بدأت .
لا أقول عما يحدث مؤامرة لكنها خطط يتم تنفيذها من كل طرف، وما يثلج الصدر أن دولا عربية وإسلامية أدركت ذلك مبكرا وعالجت الحدث قبل حدوثه وتضامنت وأعدت عدتها للانطلاق نحو المستقبل المشرق، نشكر ساستها وقادتها وشعوبها الأبية، وأخص بلادنا التي بالعزم بدأت وبالحزم ستصل، وليخسأ الخاسئؤن.