لست أدري، ولكن الأمر مختلط عندي، بين وجود دجاجة ناطقة، ومكانة دجاجة معنوية، وسيرة دجاجة رمزية، وخيال دجاجة كانت في يوم من الأيام إنسانا، قبل أن يصيبها داء التدجدج، فلا ندري هل كان حقيقة معاناة، أم حلما في خن الدجاج، نطقت فيه الدجاجة المغلوب على أمرها، أم أنه أمر عرضي يحدث للبعض، ممن يحسب ذاته ثعلبا، وهو يأتي بما تستحي منه الدجاجة!
الجبن طعام رغم عفنه الفرنسي، إلا أنه ليس الأفضل عند الدجاج، وقد يُفرض عليها في حياة نمطية، محدودة الجوانب، والمسافات، لتجد أنفسها صفوفا متنافسة بأعناق متطاولة تنظر يمنة ويسرة للصفوف الطويلة من الأعناق على جانبيها، وهي تزدرد اللقيمات الناشفة، التي يتم كبها أمامها، وهي تؤمن بمقولة: هي لك، أو لدجاجة اليمين، أو دجاجة اليسار، أو لدجاجة تأتي من الغيب!
معاني الحياة، بالنسبة للدجاجة بسيطة، فهي تدري، وقد لا تدري، أنها محبوسة في ضيق ذاتها، بقوانين وضعية أقوى منها تفرض عليها، فلا يسمح لها أن تكتشف الحياة الحقيقية، التي تراها في شوارد أحلامها، وما تردده على مسامعها بعض أساطير الجدات، فلم يسبق لها أن حفرت بأظفارها في تربة حقيقية، ولم تنقب الأعشاب بمنقارها، ولم تكتشف دودة صغيرة، ولم تعرف الفرق بين حبة قمح السنابل وبين الحبوب المبشورة، المصنوعة المكدسة بالكيماويات، والتي توضع أمامها، في أوقات معينة، لتجد رقبتها تتحرك للأعلى والأسفل أوتوماتيكيا، وهي تبتلع كل شيء، وأي شيء يوضع أمامها، ليس لأنها تستلذ بما تأكل، ولكنها تشعر بأنها في منافسة شديدة مع المجهول، وهي لا ترضى أن يسبقها أحد، وحتى أنها لا تجد الوقت الكافي، لتفهم حقيقة أفعالها المبرمجة، ولا تدرك كنه وفوائد، وأضرار ذلك، ليس فقط على جسدها، الذي ينتفخ ويترهل بسرعة عظيمة، ولكن على نفسيتها، التي لا يبدو أنها تعرف غير اللون البنفسجي، الكئيب، المنعكس من تلك الأضواء، التي تحيط بها في الحضيرة.
هل تعتقدون أنها لم تفكر يوما في الهرب من هذه الحياة الضنك، المفروضة عليها بكل خشبية حيثياتها.
نعم لقد فكرت مرات عديدة للتوجه نحو الباب الكبير، واكتشاف ما خلفه، ولكنها ما لبثت أن وجدت أقدام البشر العملاقة تجري خلفها، والأيدي الشديدة تلوح في الهواء، وتتعمد أذيتها، ومن ثم القبض عليها، من قدميها أو من جناحيها، وإعادتها لنفس المكان التعيس، وهي مقلوبة، ودون أن تحظى بفرصة لمعانقة شهوة الحرية.
نعم، قد يكون في مجرد خروجها من حدود حياتها حتفها، لجهلها المطبق بالظروف الغيبية خلف تلك الأبواب، ولكنها ترغب عن حياة الروتين، والملل، والسأم، فكل يوم يمر عليها مثل اليوم، الذي قبله، وكل ساعة مثل الساعات الأخرى، ونومها وصحوها مسلسل تكرار في تكرار، يرفع الضغط، ويراكم الدهون في الشرايين، ويؤكد على أن الصور لا يمكن أن تتجدد، إلا بالموت.
نعم، الحكايات غير الموثقة، تلك التي تحكى بلا يقين، وكأنها يقين، عن أنها يوما، وعندما تنتقل لأخر مرحلة في الوزن، سيتم ذبحها علانية، وبأرجل مقلوبة، وعنق يتدلدل نحو مادة حادة قاطعة، والبعض يحكي عن حكايات أفظع، بنتف الريش، وتقطيع بقية الأطراف، وإخراج المحتوى، وتوزيع ذلك في أكياس لامعة ببشاعة متناهية.
الحياة، تحدث مرة واحدة، وحتى العلاقات مع الدجاجات الأخريات لا تكتمل، فلا علاقة روحية، ولا جسدية، ولا متعة، ولا تعلم، وحتى الفرحة بالبيض، والفراخ الصغيرة لا تحدث.
هي تسمع كثيرا عن الديك الشرير، الذي تسمع صوته مميزا في حضيرة بعيدة عنها، وكم يذبحها الفضول، فماذا يمكن أن يقدم لها لو اقتربت منه، وهل هو متمرد على الظروف جميعها، وهل لو قابلته يوما، وطلب منها أن تهرب معه، ستفعل؟
هذا حلم رغم غموضه لذيذ يراودها، وهي مستعدة لأن تثور على الموروث، وتخرج إلى دنيا تصيبها معه، حتى ولو اعتبرت من قبل الداجات الأخريات منحلة، أو مارقة، أو إرهابية.
سترافقه إلى المدى، ولن تتردد كثيرا، فهو حياة بالنسبة لها، وهو بداية لشجرة طويلة، من التسلسل في النسب، تبدأ بالحب، الذي لم تعرفه، وتنتهي، بالذرية، التي توكد لها الاستمرارية في نيل السعادة، والخلود.
حقيقة ما يمنعها من كل ذلك، أن البعض يستمر بكل وقاحة ينادي عليها بأنها دجاجة!