منذ هبوط سيدنا أدم عليه السلام على الأرض وكان اهتمامه الأول منصب على إيجاد حبه الوحيد...أمنا حواء. ثم أنجب الأبناء و مع الحب ،ظهرت الغيرة القاتلة. القوى المناهضة للحب، قوى النور في دهماء الأرض. و ظل البشر دأبهم الدؤوب، هو نيل الحب والذي ظنوا أن راحتهم فيه. الحب علاقة بالمجهول أن صح التعبير او العلاقة بجانب مضيء مشرق فقط دون الجانب الاخر. لكي تتضح الصورة لنطرح امثلة من ملاحم الحب التي سطرها مجدنا التليد.
حب عنتر لعبلة، حب ذاك الشاب الأسود البشرة لعبلة إبنة شيخ قبيلة بني عبس. حب عنتر لعبلة جعله يتحول لكائن اسطوري لا يكل و لا يمل في مبارزة الأعداء و مقارعة الجيوش حتى استحق لقب ابن ابيه شداد. فكان العرب ذاك الوقت ينكحون إمائهم لكي ينجبوا لهم أبناء يرعون الابل والغنم ولا يعترف بهم اباؤهم الا حين يقومون بعمل بطولي كما فعل عنتر حين لحق بمن غزا قبيلته وعاد بالسبايا والماشية ونال احترام قبيلته ثم تزوج بعبلة، اجمل بنات القبيلة كما قيل.
لكن عبلة لم تحبل فتزوج عليها عنتر ثمان من النساء، طمعا بالذرية، بعضهن مبارزيات هزمهن في معركة ،وبعضهن سبايا و بعضهن بنات قبائل أخرى. حين سُئلت عبلة عن حب عنتر لها ردت بثقة و لو تزوج مئة فليس في قلب عنتر سواي.
الحب هو من التهم عقل قيس و سطر تلك الاشعار الراقية التي تتناهى اليها نبضات القلوب وتكفي قصيدة المؤنسة كأجمل من كتب من قصائد. يقال ان ليلى زارت قيس لتطمئن عليه فرد عليها...
ارحلي فلا تشغلني بحضورك عن حبي لك.
وفي هذا لخص هذا الشاعر العبقري نواة الحب وهو اننا لا نرى في الحبيب كل شيء والا ما احببناه
ومن العصر القريب نطرح قصة الاديبة و الكاتبة الشاعرة الملهمة، مي زيادة. لبنانية الأصل التي عاشت بالقاهرة و أسست صالون الثلاثاء الذي كان قبلة ادباء ذلك العصر من أمثال احمد شوقي و حافظ إبراهيم و الرفاعي و حتى الاديب الكبير طه حسين الذي عشقها بقلبه و لم يراها بعيناه الضريرتان. وصفها الكاتب الكبير عباس محمود العقاد الذي وصفوه بكونه اكثر ادباء عصره شدة و صرامة و لكنه لم يحتمل جمال مي زيادة فوصفها بالحصن الذي يحيط به خندق وكان يكتب إليها "انتي" و حين استفسرت منه لما لا تكتب"انتِ" قال لها يصعب على كسرك حتى في الكتابة.
مي زيادة لم تحب أي منهم بل لم يشغل قلبها الا جبران خليل جبران الذي بادلها الحب الطاهر بمثله و ظلا يتراسلان طوال عشرون سنة حتى توفي جبران و اتهمت مي بالجنون، لم يلتقيا ابدا وجه لوجه و لو التقيا لانتحر حبهما.
قالوا مقبرة العشق هو اللقاء و اعظم الاشعار كتبها أصحاب الحب الطاهر العفيف في الطرف الاخر.
في وقتنا الحاضر و في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وقع الكثيرين في فخ الحب الواهم حتى تحطم على صخور الحقيقة و اكتشف كلاً من الطرفين حقيقة الاخر. وقعوا في فخ الكلام المعسول الذي كتب في حالة انتشاء روحي وارتقاء ادبي و حالة تعتري الادباء وبعض الموهوبين خاصة، فيغزل عسجد الاحرف ليزخرف كل مبدع و رائع حرف يرتقي في نفوس الاخر العطشى الرمضاء لرهف الكلام و عذب الحديث.
لكن حين تكتمل الصورة و يظهر الطرف الاخر بكامل كيانه، ينهار تمثال الحب الذي استحال سراباً مشتتاً.
لا وجود لحب كامل فالحياة معادلة و لن يكون الحب كاملاً لان المكونات فيه ناقصة أي البشر، إذن أين الحب؟ أين نجده؟ الحب وجود كعنصر مكمل للاخر، هنا تكتمل الصورة و تستمر الحياة الزوجية بنجاح ، فالإنسان لا يبحث عن الحب الأفضل بل ما يجعلنا نشعر اننا افضل وهذا ما كتبته في روايتي" الأجراس الصفراء"
هنا اكسير نجاح كل علاقة زوجية شريفة وهو أن كل طرف يكمل ما ينقص الطرف الاخر وهنا تكتمل صورة الحب.