(بوابة الألم)
كلُّ ما نراه حولنا من محسوسات مادية وحسيّة هو عبارة عن أبواب وجسور لكي نعبر من خلالها إلى تغيير في نمط حياتنا ، ونضرب مثلاً : هذا اليوم وفي آخر ساعة له يعتبر بوابة للعبور إلى الليل ، وهكذا الأيام والليالي بوابات تنقلنا في مدارها وتقلباتها إلى التغيير الدائم في حياتنا ، وهناك ملايين الحالات التي تمر علينا تنقلنا عبر مسارات وبوابات إلى تحولات أكبر وأعمق وغالباً ما تكون هذه البوابات جسر لنضج أفكارنا أو تحويلها إلى الأفضل ، ومن أهم هذه البوابات وأقواها تأثيراً على الإنسان هي بوابة الألم : ذلك الضيف الثقيل وقد يراه البعض منغصاً له وقد يراه آخر قوة وقد يراه آخرون بأنه امتحان وابتلاء ، وقد يخبرنا البعض بأنه لذيذ وطعمه مدفون في مرارته ، نعم الألم يذوقه الجميع منذ الولادة وحتى خروج آخر نفس فالألم رفيق هذه الحياة الدنيا ، ولكن هناك آلام تكون بوابة كبيرة تنقلنا عبرها إلى تغيير جذري في طريقة حياتنا أو في منهجية تفكيرنا ، ومن عجائب وأفعال الألم أنه كلما عانينا منه كلما شعرنا بنضج في أحوالنا وحركتنا بالحياة و الألم لا يعرف صغيراً ولا كبيراً فهو يأتي للجميع بلا استثناء وحتى الأطفال قد يدخلونهم الكبار بلحظات ألم بدون أن يلاحظوا ذلك مشاحنة بين الأب والأم وابنهما الصغير يشاهد تقاطيع وجه أمه الحزينة أو الغاضبة فيشعر هذا الطفل الصغير بالألم ، هذا الطفل يُسجل هذه المشاهد وهذه اللحظات على شكل ألم وتحتفظ بها ذاكرته لتخرج عندما يكبر وكلما كبرنا تكبر آلامنا معنا وكذلك يكبر فهمنا لها ، فأحيانا نكتشف (وبألم شديد ) بأنّ لكل لذة وراحة في الحياة أجل ووقت تنتهي فيه ومجرد إحساسنا بفقد هذه اللذة نشعر بألم لفقدانها ، ولكن أفضل أنواع الألم هو من ينقلنا عبر بوابته إلى حياة أفضل ويكون موسعاً لمداركنا والألم الأقوى هو من ينقلنا من عالم الوهم إلى عالم الحقيقة وكأنه باب فتحناه على عالم آخر ، وهنا يكون الألم نعمة وليس نقمة ، ورسالة إلهية وأشبهها بالوحي الملموس لأنّ الله تعالى لا يخاطب خلقه بل يوحي إليهم بالأفعال والألم من أفعاله : (فعّال لما يريد ) وإذا أراد الله تعالى بعبد من عبيده خيراً أو أراد أن يغسل ذنوبه أو أراد أن يرفع درجته عنده يُسلط عليه الألم ، والألم غالباً ما يكون تذكيراً بأنَّ هذه الدنيا هي وهمٌ كبير وعلينا أن نستيقظ من غفلتنا فيها ، وكم من ألم ومحنة جاءت بعدها منحة ربانية وكم من راحة ودعة وسهولة عيش جاء معها نكد ومصائب وكوارث وفقد .
ومن مزايا الألم للمؤمن هو تعلم الصبر فقد يكون ملولاً لا يصبر على شيء فيأتيه قدر الله ليعلمه الصبر على المكاره ، والألم لا يفرق بين مؤمن وغير مؤمن ولكن طريقة تلقي الألم هي من تحدد المؤمن وتميزه عن غيره فنرى بعض من تأتيه الآلام يصيح ويشكو ويستنجد ويغضب ويتذمر فهذا لم يستفد من هذا الدرس وهذا القدر ، ولكن المؤمن يتلقاه بنفس راضية مستسلمة قانعة راضية بما قدره الله عليها فيكسب ثواب الصبر والرضا ،
فينقي نفس المؤمن مما علق فيها من شوائب الدنيا ليرجع المؤمن وقد شفاه الله نقياً صافياً وكما جاء بالحديث الشريف من حديث ابن مسعود قال: دخلت على النبي ﷺ وهو يُوعَك، فقلت: يا رسول الله، إنك تُوعَك وعْكاً شديداً، قال: أجل، إني أُوعَك كما يوعك رجلان منكم قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته، وحُطت عنه ذنوبه كما تَحُطُّ الشجرةُ ورقها" ...
هنيئاً لمن صبر واحتسب وكان ألمه مغفرة ونعمة من المولى ....