مع اشتداد الأزمات وتوالي الأحداث المتسارعة تظهر أنماط من الناس يملؤها الإحباط وإلياس والخذلان، واهتزاز الثقة بالنفس وبالمجتمع والمسؤولين والدولة، وهذا من الطبيعي حدوثه لدى الأفراد الذين زلزلتهم تلك المتغيرات إذ لم تكن في حسبانهم ولو بمجرد الخيال.
أنا هنا لا ألقى اللوم عليهم ولا أشمت بهم -فليس هذا مجاله- لأن ما عملته وتعمله الدولة جعلتهم في مأمن ورغد من العيش والرفاة وهو ما سبق أن اعتادوا عليه، ليسوا من يحملون وزر هذا الذنب ولا حتى دولهم، فالواقع فرض نفسه وبسرعة، ومع الأزمات المتسارعة والتطورات من الطبيعي أن يكون المجتمع غير مؤهل وليس متناسبا معها من ناحيتي المستوى الثقافي والفكري -في الأزمات تتضح الفروق الفردية ونلاحظ البون شاسعا- الأمر الذي يخيل للبعض أن هذا مدعاة للتخلي عن الثوابت والقواعد الفكرية السائدة والتقليدية، والتي يجب إبقاؤها والتمسك بها، والبعض الآخر ينتظر قدوم الحلول إليه على طبق من ذهب؛ فنجده يستسلم ويتسلل إليه الكسل والإحباط واليأس منتظرا ما سوف يمنح له من دعم من الدولة لإخراجه من أزمته التي بالغ هو في تأزيمها، من حقه أن يطلب من دولته ما هو حق له، لكن قد تأتي الدولة بحل لا يعجبه ولا يخرجه من أزمته فيصاب باليأس ويتصرف بعشوائية ورعونة تضره ولا تنفعه، وبدلا من السلبية وانتظار الحلول الجاهزة والمعلبة التي قد تأتي وقد لا تأتي، يجب عليه أن يعيد النظر في أعماله وتصرفاته وسلوكه، ثم يعيد ترتيب الأمور بشكل وطريقة جديده وفق ما هو حاصل وواقع به -سواء على مستوى الفرد أو الأسرة أو المؤسسة أو الشركة أو الإدارة أو القطاع الذي يشغله- مع مشاركة الاخرين في الحوار والنقاش والقرارات وتقديم المقترحات والحلول التي يراها مناسبة له ولغيره، وذلك وفق القنوات الرسمية والادارات المعنية أو نقاشها داخل الأسرة على مستوى الافراد، مع أخذ التدابير والاحتياطات اللازمة لادارة الأزمة سواء بتغيير أنماط الاستهلاك والسلوك أو العادات والتقاليد، وتقبل الوضع الجديد الحاصل؛ لا الاصرار على المضي في نفس الاتجاه السابق ونفس الطريقة وبالحلول والانماط التفكيرية التقليدية.
الضرورة أصبحت محتمة للنظر في قواعد فكرية جديدة ونمط فكري جديد يتناسب مع المرحلة؛ لتقديم الحلول التي تمكننا من معالجة مكامن الضعف والقدرة على تعزيز نقاط القوة وسد العجز، واقتراح الحلول التي يجب أن تتسم بالمرونة وقابلية التعاطي والتطبيق.
إن قواعد ونمط التفكير التقليدية ليست مجدية في عصر متقلب تكنولوجي جديد بكل ما فيه، سواء كان هذا النمط علميا تقليديا أو تراثيا امتزج فيه الغث والسمين والعادات والتقاليد والصحيح والمغلوط، وإن كان ناجعا في مرحلة وزمن ما فهذا لا يعني نجاعتها في الأزمات وكل الأوقات.
متى ما تم الاحتفاظ بمنظومة المبادئ والقيم والثوابت والقواعد الفكرية؛ سنتمكن من السير وبخطى ثابتة لحماية الأسرة أو المؤسسة أو الشركة من الفوضى وعدم الانزلاق عن الأهداف وهنا تكمن أهمية الحفاظ عليها والتمسك بها، ودون خوف أو تردد يتم التفكير في إنشاء قواعد تفكير جديدة مختلفة عن التقليدية المعتادة، تتسم بالإنتاجية وبالإبداع، وهو ما يسمى التفكير خارج المألوف والذي يمكن استخدامه للأفراد والمؤسسات، حيث إن المملكة قد بدأت سابقاً في استخدامه، (وهو ما أعلن عنه حسب الرؤية ويتم تنفيذها حاليا).
إن كسر المألوف والخروج من (الأطر الضيقة وأنماط التفكير التقليدية)، ستوفر لنا حلولاً وإيجابيات متعددة، منها التجديد والإبداع والابتكار والإنتاجية، ومع الإبقاء والتمسك بالثوابت والقيم والإيمان بها لا يعني عدم التغيير والتحديث والتطوير الذي من المتوجب علينا فعله، لإيماننا أن الله حرم صفة الثبات لسواه، وهذه الميزة في الحياة حيث جعلها الله صيرورة نمضي إليها، وحالة التبدل شاملة لا شك سواء للمؤمن والكافر، والبر والفاجر.
هناك قاعدة في علم النفس تقول:
(كل شيء قابل للتبدل والتحول وليس شرطًا ان يكون قدرا محتوما، فماهو متعذر اليوم يمكن حدوثه غدا) .
سنتجاوز الصعاب وسنخرج من الأزمات وعتمة التفكير السلبي التي أوشكنا على الدخول فيها إن لم يكن البعض دخل في أنفاقها، إن عدم الخوف على إيماننا بالقيم والمبادئ، وقبولنا بنمط التفكير الجديد -والذي يطبق لكل فرد أو حالة أو جهة حسب المعطيات والأوضاع وأوجه النشاط او العمل وحسب الظروف- سوف يجعلنا نتفاعل مع كل جديد بمرونة ذهنية عالية، وسيكون لنا قابلية للتفاعل مع الأحداث، وقدرة أعلى لتحمل المشاكل وتجاوز الأزمات ولدينا معرفة للتعامل معها وابتكار حلول لها.
إن النجاح للفرد والمجتمع يكمن في تضافر الجهود، الذي أصبح محتماً على جميع الأفراد وفئات المجمع بساسته ونخبه الدينية والفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتجارية والحرفية، لنخرج سريعا بأمن وأمان وسلامة وسلام.
عبد الرحمن عون.